ترجمة الإمام "محمد الصغير غاي" اليـمبلي
ولد الإمام محمد الصغير غاي عام 1925 في قرية يـمبل، من والدين كريمين: الشيخ الـمبجَّل جِبْرِيلْ غَايْ والسيدة البارة فَرْمَةَ لُو، فهو بذلك سليل أسرتين معروفتين بالعلم والتديُّن.
نشأ في حضن والده جبريل وعلى يده تعلم القرآن وتلقى مبادئ العلوم الشرعية، كما أخذ العلم من علماء آخرين داخل إقليم دكار وخارجه.
كان الإمام محمد الصغير طالبا متميزا بين أقرانه، معروفا بعلوّ همته وحرصه على العلم وطلبه، وكثرة انشغاله بعبادة ربه. وكان يهتم بعمله اهتمامه بعلمه. ألف النسك والعبادة والخلوة طفلا، ولم يعرف اللهو ولا العبث إلى نفسه سبيلا. ولقد عبّر عن حلم حياته في هذه الأبياتىالتي نظمها في عنفوان شبابه:
الحـــــــمد لله الــــــذي أغــراني بــحب كل عارف الرحمان
حـــــتى أقـــوم وأجول طــــــالبا إياه صرت في الأمور كائبا
جبــــــت الـمهامه أراود البحور من العلــوم كل قــفر وأدور
أو قيل لي يا ابن السبيل مالكا أراك حائــــرا ما مـــــجالك
بـــــم عن الأقـــران تغرب وعن كل أنيــــس ومكان ووطــن
فقـــــلت بالعلم ومن قد نالــــــه ياحبذا مـــــنه ويا بــشرى له
فمحبة الله سبحانه والتماس معرفته، كانا وراء بحوثه الجادَّة المتواصلة التي اشتهر بها منذ طفولته.
كان الإمام محمد الصغير معروفا بالورع منذ الصغر، كان ملازما للصوم والصلاة، قليل المخالطة، همـُّــه العلم والعبادة ليس إلَّا.
قدَّمه الخليفة سيّدنا منجون وأجازه في إعطاء ورد الطريقة اللاهينية وهو شاب دون الأربعين ووالده في قيد الحياة.
أسَّس في الخمسينات أولى مدرسة عربية في مقاطعة "بكين"، حديثة في مناهجها وأساليب تدريسها، وتخرّج منها عدد كبير من الطلاب المتفوقين.
وفي 1962م سافر إلى المغرب، ومكث في "فاس" أربع سنوات يحصِّل العلوم في جامعة القرويين، وحصل على الإجازة في العلوم الشرعية سنة 1969م، وكان متميزا بين زملائه في الجامعة المغربية كما كان متميزا بين أقرانه في كُتَّاب والده.
في 1981م تولَّى إمامة الجامع الأكبر ب "يمبل"، وكان يلقي خطبه الغراء بلغة عربية فصيحة مترجمة إلى اللهجة الولفية المحلية، الأمر الذي لم يسبقه إليه إمام من قبله وقلَّده فيه عشراتُ الأئمة من بعده.
كان الجامع الأكبر في زمنه مرتعا كبيرا للعلم يفد إليه الكبار والصغار من كل الجهات للاستماع والاستمتاع بخطبه الرائعة التي تسري كلماتها في عروق السامعين، وتهز معانيها قلوب الخاشعين.
وكان بيته كذلك مدرسة يتوجه الناس إليه لحضور مجالس العلم المنعقدة في صالونه كل يوم.
كان الإمام محمد الصغير غاي يتمتع بشخصية فريدة، كان عمودا في الطريقة اللاهينية يحمي حماها بشعره ونثره، ولم يكدِّر التعصبُ الطرقي ماءَ علمه الصافي، بل كان منفتحا على الطرائق الصوفية جميعها، متبحرا في سِيَر رجالها، وخبيرا بأسرار أورادها، فكان يربـِّي الأتباع ويرقِّـي السالكين رغم انتـمـاءاتهم الطرقية المختلفة.
كان الإمام محمد الصغير عالم كل فن وشاعر كل بحر، ألَّف كتبا ونظم قصائد. عرف أن أفضل نوع من أنواع العبادة هو عبادة المعبود في عباده، فكـرَّس حياته كلَّها في خدمة شعبه، فكان بـيـتُه قبلة للمحتاجين، وجامعة للطالبين، ومأوى للسالكين. فكان يواسي الفقراء بماله، ويُعلِّم الطالبين بعلمه، ويرشد السالكين بهدايته، فقلَّده رئيس الدولة في زمنه كثيرا من الأوسمة اعترافا بفضله على قومه.
وافـتْـه المنية في السادس والعشرين من شهر صفر سنة 1421 هجرية الموافق ل عشرين مايو 2001ميلادية. وترك موته في قلوب معارفه أثرا لا يـمَّـحي أبدا، فجزاه الله عن الإسلام والمسلمين كل خير.