أقوال العلماء في ظهور المهدي
اختلف أقوال العلماء في المهدي المنتظر و تعددت آرائهم . و رغم كثرة وجهات النظر ينقسم العلماء إلى منكرين مكذبين أو مترددين، وإلى مؤيدين مؤمنين بظهوره من أهل سنة و شيعة. و سنورد فيما يلي أهم الأقوال في قضية المهدي التي نلخصها في خمسة مذاهب ( أقوال)
القول الأول :
هم المنكرون والمكذبون بظهور المهدي و يؤمنون أنه لا مهديا يظهر غير نبي الله عيسى عليه السلام. يستدلون بحديث "لا مهدي إلا عيسى" . وممن نفى ظهور المهدي وأنكر أحاديث المهدي عبد الرحمن بن خلدون (ت 808 ه) في مقدمته قال: " وهي (الأحاديث) كما رأيت لم يخلص منها من النقد إلا القليل" المقدمة (574/1 (ومنهم محمد رشيد رضا قال: " وأما التعارض في أحاديث المهدي فهو أقوى و أظهر والجمع بين الروايات فيه أعسر والنكرون لها أظهر ولذلك لم يعتد الشيخان البخاري ومسلم بروايتها في صحيحهما وقد ضعف كثير من أئمة المسلمين أحاديث المهدي " تفسير المنار (416/9 ( ومنهم أحمد أمين قال في كتابه ضحى الإسلام (243/3) : " حديث المهدي هذا حديث خرافة وقد ترتب عليه نتائج خطيرة في حياة المسلمين" و منهم الأستاذ عبد الوهاب عبد اللطيف في تعليقه على( تحفة الأحوذي لشرح جامع الترمذي) 477/6 :" يرى الكثيرون من العلماء أن كل ما ورد في أحاديث المهدي إنما هي موضع شك وأنها لا تصح عن النبي صلى الله عليه وسلم وإنما هي من وضع الشيعة".
حجتهم :
-
أن قضية المهدي لم تذكر في القرآن (هنا مقال حول المهدي في القرآن) ولو كان ثابتا لذكره الله فيه. والجواب أن القرآن لم يذكر جميع أشراط الساعة فلم يذكر الدجال ولا الخسوف ولم يفصل في قضية الصلاة و الزكاة والحج وغير ذلك وإنما نجدها في السنة التي تفسر القرآن يقول تعالى{ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ *إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ } النجم 3 _4 {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} النحل/44 وقال الرسول " ألا إنني أوتيت القرآن و مثله معه" . وفي التسرع إلى القول أن القرآن لم يذكر قضية المهدي مغامرة كبيرة لأن القرآن فيه { آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ۖ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ۗ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ۗ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} 7آل عمران ويقول تعالى أيضا { مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ۚ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ} 38 الأنعام.
-
أن أحاديث المهدي ليست في الصحيحين. الجواب هو أن صحيح البخاري و صحيح مسلم لم تجمعا أحاديث الرسول كلها. والصحيح موجود في غير الصحيحين كما أن رواة السنة المحققون غيرهما كثيرون وهم أئمة في الحديث خدموا السنة والأمة . و في اعتبار الصحيحين ورد ما سواهما خطر عظيم و غلو على العلم لإن في الاختلاف الثراء. و خاصة أن الصحيحين لا يخلوان من أحاديث المهدي فحديث : ' كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وامامكم منكم" أخرجه البخاري و ذهب أكثر من عالم إلى أن إمامكم هو المهدي المنتظر .
-
لا مهدي إلا عيسى بن مريم . نفى بعض العلماء ظهور المهدي وذهبوا إلى أنه لا مهديا يأتي غير نبي الله عيسى مستدلين بالحديث : " عن محمد بن خالد الجندي عن أبان بن صالح عن الحسن عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا مهدي إلا عيسى" رواه ابن ماجه في سننه. الجواب : ضعف العلماء هذا الحديث الذي في سنده محمد بن خالد الجندي. قال أبو الحسين محمد بن الحسين الآبري في كتابه « مناقب الشافعي» :« محمد بن خالد هذا غير معروف عند أهل الصناعة من أهل العلم والنقل .وقال القرطبي في التذكرة في أحوال الآخرة :" حديث لا مهدي إلا عيسى يعارض أحاديث هذا الباب فقيل إن هذا الحديث لا يصح لأنه انفرد بروايته محمد بن خالد الجندي. وقال الحاكم ابو عبدالله الحافظ الجندي هذا مجهول"
وأنا أقول حتى و إن كان الحديث صحيحا لا يفهم منه إطلاقا أنه لا مهديا يأتي سوى عيسى عليه السلام. لأن " لا مهدي إلا عيسى" مشتق ولا يفهم إلا في سياق ما سبقه في الحديث وهذا نصه : " لا يزداد الأمر إلا شدة، ولا الدنيا إلا إدبارا، ولا الناس إلا شحا، ولا تقوم الساعة إلا على شرار الناس، ولا مهدي إلا عيسى بن مريم" ونحن نرى أن قول النبي لا يزداد الأمر إلا شدة يعني أنه ليس هناك زيارة إلا كانت هذه الزيادة مصاحبة بالشدة يعني أن الزيادة مشترطة بالشدة. و لا الدنيا إلا إدبارا يعني كلما تقدمت العصور يكون التقدم مصاحبا للإدبار والفناء لاحقا يعني أننا نفترب أكثر فأكثر لليوم الآخر وهذا معقول. ولا الناس إلا شحا كذلك ولا تقوم الساعة إلا على شرار الناس يعني أن الساعة لن تقوم إلا إذا ذهب خيار الناس و بقي شرارهم ولا مهدي إلا عيسى بن مريم أي لا مهديا يأتي أو يظهر إلا وذلك الظهور يكون مصاحبا و ملازما بظهور عيسى. و خاصة أننا نجد أحاديث توحي على صلاة عيسى خلف المهدي. يقول ابن كثير في كتابه البداية والنهاية ص 33 :" وهذا الحديث فيما يظهر ببادئ الرأي مخالف الأحاديث التي أوردناها وعند التأمل لا ينافيها بل يكون المراد من ذلك أن المهدي حق المهدي عيسى بن مريم ولا ينافي ذلك أن يكون غيره مهديا. وقال القرطبي في التذكرة في أحوال الآخرة ص 61 : " ويحتمل أن يكون قوله صلى الله عليه وسلم لا مهدي إلا عيسى بن مريم أي لا مهديا كاملا معصوما إلا عيسى. والله اعلم
القول الثاني:
الذين ذهبوا إلى أن المهدي هو الخليفة العباسي أبو عبد الله محمد بن عبدالله المنصور بن محمد بن علي المهدي بالله .هو ثالث خلفاء الدولة العباسية بالعراق. ولد بإيذج من كور الأحواز سنة 127 هـ. ولي الخلافة بعد وفاة أبيه أبي جعفر المنصور عام 158 هـ. وأمه أم موسى بنت منصور الحميرية. قالوا بأن المهدي ظهر و حكم وانتهى زمانه و هم أقلية يستدلون بحديث رواه الإمام أحمد في مسنده:" حدثنا وكيع عن شريك عن علي بن زيد عن أبي قلابة عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا رأيتم الرايات السود قد أقبلت من خراسان فاتوها ولو حبوا على الثلج فإن فيها خليفة الله المهدي" قال ابن القيم علي بن زيد قد روى له مسلم متابعة ولكن هو ضعيف وله مناكير تفرد بها فلا يحتج بما ينفرد به.
القول الثالث :
هم دعاة المهدي الذين أعلنوا أنفسهم مهديين و دعوا الناس من غير برهان أو آية ادعاءا وكذبا. و كثير من الضلال من أهل الأهواء من ادعى أنه المهدي يريد إِصلاح الأمة ولكن المصير دائما معروف و هو الهلاك لأن الله سبحانه وتعالى يتولى أمر المفتري الكاذب يقول تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ} 152 الأعراف وقال أيضا: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) فَمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ (47) وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ (48)} الحاقة
القول الرابع:
الذين قالوا أن المهدي هو محمد بن الحسن العسكري الإمام الثاني عشر الذي ولد سنة 256 ه أعني الشيعة الإمامية. اختفى محمد بن الحسن العسكري في السرداب في العراق وعمره خمس سنوات وتؤمن الإمامية أنه ما زال حيا و سيخرج في آخر الزمان فيملأ الأرض عدلا و قسطا كما ملئت جورا وظلما . و هذا ما تعتقده الشيعة صرح بذلك محمد رضا المظفر في كتابه ( عقائد الإمامية) ولا تزال الشيعة في كل عام حتى اليوم تحتفل بولادة محمد بن الحسن العسكري في النصف من شهر شعبان (15) احتفالا عظيما.
رفض علماء الإسلام أمر ابن الحسن العسكري عند الشيعة و ردوا عليهم و سجلوا ردودهم في كتبهم . منهم الحافظ ابن كثير ت 774 ه في البداية و النهاية والسفاريني ت 1188ه في الأنوار البهية و عبد القادر البغدادي ت 429 ه في الفرق بين الفرق وابن خلكان ت 681 ه في وفيات الأعيان.
القول الخامس:
هذا القول لأهل السنة والجماعة من فقهاء ومحدثين ومؤرخين ومفسرين يؤمنون بظهور المهدي المنتظر في آخر الزمان بين يدي الساعة لما يكثر الخلاف والقتال فيملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما . وذهب كثير منهم الى أن أحاديث المهدي تواترت تواترا معنويا بحيث لا مجال لردها لثبوتها و كثرة طرقها بل الإيمان بها يكون واجبا لم كما سنراه فيما بعد إن شاء الله