"لا تنازعوا فتفشلوا"
سيدنا عيسى صامب
اللجنة العلمية
دعوة إلى توحيد الكلمة بكلمة التوحيد
"لا تكون معركة بين حق وحق لأن الحق واحد ولا تطول معركة بين حق وباطل لأن الباطل دائما زهوق(
محمد متولي الشع ا روي
استدعى أحد الأغنياء عندما حضرته الوفاة توأميه الذيْن رزقه إياهما في
حياته. وقال لهما: أريد أن أعطيكما اليوم فرصة عيش حياة طيبة مثل التي
عش ت ها. فلو استطعت أن أقدم لكما الدنيا بما حوتْه لفعل ت ، لكني لا أملك الدنيا
حتى أهديها، ولكن هناك كنو ا ز ثلاثة كنت أعيش منها ومنها صدر كلما حصل ت
عليه في حياتي. والآن عند حل واحد لا ثاني له وهو أن تحصلا أنتماعلى هذه
الكنوز الثلاثة وتنتفعا بها في حياتكما.
الكنز الأول: يسهل إعطاؤه ولا ينفد أبدا مهما أعطي منه. ومنذ أن أتيتما إلى الدنيا
إلى الآن مازلت أعطيتكما منه، وسأموت على اطمئنان تام بأن لكما من هذا الكنز
حظا واف ا ر.
والكنز الثاني: هو الآخر يسهل إعطاؤه ولكن لا يسهل دائما تحصيله. هناك من
لا يفقدونه أبدا وهناك آخرون يفقدونه كل حين ويطلبونه مجددا. واليوم سأقدمه
لكما ولكن هل ستحفظانه أم تضيعانه فهذا يرجع إليكما.
2
وأما الكنز الثالث يستحيل إعطاؤه، فالمرء بنفسه يجتهد ليحصل عليه. ومنذ أن
ولدتما إلى الآن ل أزل أطلعكما عليه. واليوم سأعطيكما فرصة أخيرة لرؤيته قبل
ارتحالي من هذه الحياة.
عندما أنهى الرجل كلامه بدأ الغلامان يبكيان لعلمهما أن والدهما قريب جدا
من مفارقتهما. فابتس الوالد ونصح ابنيه بالت ا زم الصبر وقال لهما: أعرف أنكما
تحزنان كثي ا ر على مفارقتي ولكن هذا الحزن لا يدل إلا على أنكما تملكان من
الكنز الأول الكثير الكثير. فما هو الكنز الأول؟
مسح الغلامان دموعهما وأخذا يفك ا رن في شيء يسهل إعطاؤه ولا ينفد أبدا.
وفجأة ص فق أحد الغلامين يديه وقال: إنه الحب. فابتس الوالد وقال: صحيح. وأما
الكنز الثاني فما هو؟ استأنف الغلامان التفكير في شيء يسهل إعطاؤه وليس دائما
يسهل تحصيله. وفجأة صاح الغلام الآخر: المال. صحيح، المال هو الكنز
الثاني، هناك من لا يفقدونه أبدا وهناك آخرون يعدمونه كل حين ويطلبونه مجددا.
وأما الكنز الثالث فما هو؟ ثمة غرق الغلامان في تفكير عميق حول ما يستحيل
إعطاؤه ولا يمكن لأحد أن يح ص له إلا باجتهاده الشخصي. فك ا ر طويلا ول يستطع
أ الغلامين أن يعثر على جواب. وهنا ابتس الوالد وفتح كيسا كان بجانب السرير
وقال لهما: من هنا لشهر، وتحديدا واحد وثلاثون يوما من الآن ستدخلان في
عامكما الواحد والعشرين. ولكن ذلك اليوم لا يجدني في الدنيا. وقد أعطيت
لمحاسبي إذنا في أن يوزع كلما سأتركه من ث ا رء على الجي ا رن الذين ظلوا
يعاملونني معاملة حسنة طوال السنوات التي قضيتها في هذه الحياة. هذا المكان
3
الذ نوجد فيه الآن كان بيتنا طوال حياتنا ولكنه سيصبح مكانا عاما يستفيد أهل
الحي من خدماته بعد ارتحالي. سأرحل وأنتقل إلى عال آخر لتبدآ أنتما مشواركما
في هذا العال . ولكن لا أريد أبدا أن تبدآ هذا السعي خاليي الوفاض لذلك
سأعطيكما خيا ا رت. أدخل الرجل يده في الكيس وأخرج منه أو ا رقا نقدية بقيمة
مليون دولا ا ر. ث أدخل يده مرة ثانية في الكيس وأخرج بنسا واحدا. وقال: لكل
واحد منكما خيا ا رن: إذا اخترت المليون دولا ا ر يمكن أن تستلمه اليوم وإن أردت
أتركه عند محاسبي يحفظه لك في مكان آمن إلى اليوم الذ تبدأ فيه مشوارك.
وإذا اخترت البنس فيمكن أيضا أن تذهب به اليوم أو أتركه عند المحاسب ليضعه
لك في كيس وقد أمرته بمضاعفة محتوى الكيس في كل يوم لمدة واحد وثلاثين
يوما. والآن يمكن أن تذهبا لتستريحا وتفك ا ر لترجعا غدا صباحا ويقول لي كل واحد
منكا ماذا اختار.
وباختصار، اختار الغلام الأول المليون دولا ا ر، واستثمره في مجالات مختلفة
نجح في بعضها وضاع ما استثمر في بعضها الآخر. وأما الغلام الثاني فقد وقع
خياره على البنس. ولكن ذلك البنس الواحد أصبح في اليوم الثاني بنسين وفي
اليوم الثالث أربعة وفي اليوم ال ا ربع ثمانية. ولكن في اليوم الواحد والثلاثين كانت
المفاجأة عظيمة عندما اكتشف الغلام أن البنس الواحد أصبح بعد واحد وثلاثين
يوما أكثر من عشرة ملايين من الدولا ا رت وتحديدا 10737418.24 .$
عندما كان الرجل يح د ث الغلامين ظن الغلام الأ ول أن الخيار كان بين أ
المالين يجب أن يأخذ. ولكن الغلام الثاني كان أكثر تركي ا ز وأكثر انتباها
4
للتفاصيل، فقد انتبه إلى أن المال هو الكنز الثاني فلا يمكن إذن أن يكون الكنز
الثالث كذلك. وقد عل كذلك أن الخيار ل يكن بين أخذ المليون دولا ا ر والبنس لأن
الكنز الثالث لا يعطى. ولكن الذ أ ا رد والدهما منهما أن يحصلا عليه باجتهادهما
ويمثل الكنز الثالث هو الحكمة. فالذ أ ا رد الوالد أن يتعلمه الغلامان من حديثه
ليكون لهما ا زدا في حياتهما هو أن الفعل القليل الذي تستصغره إذا ظللت تكرره
كل يوم ستصدر منه في يوم من الأيام نتيجة تبهرك.
وقد بدأت بعض التصرفات السيئة تظهر في الساحة وبعض الخطابات
النابية تنتشر بمساعدة الشبكات الاجتماعية. وإذا وقفنا مكتوفي الأيد أمامها
فيمكن أن توقد في المستقبل نار فتنة عظيمة في مجتمعنا السنغالي. إنها خطابات
التفاخر الطرقي التي بدأ الكثير من الأتباع يلقونها تعظيما لما عنده واحتقا ا ر لما
عند الآخرين. ويذهب بعضه إلى اخت ا رع قصص غير واقعية فقط لإظهار أن
شيخه هو البطل والآخرون لا يمثلون شيئا. وهي تص رفات لست أدر أين تعلمها
أصحابها. والحقيقة أنه ل يتعلم وها من مدارس شيوخنا الذين ينسب أولئك الأتباع
أنفسه إليه . وهذه التصرفات بدأ ظهورها منذ عصر شيوخنا ولكنه كانوا
يتصدون لها كلما لاحظوها لعلمه بمدى الخطر الذ يمكن أن ينتج منها.
في يوم من الأيام ا زر الشيخَ أحمد بمبا أحد طلابه وكان يحكي عليه ما أ رى
خلال خرجته الأخيرة. وكان مما قال للشيخ: )ذهبت إلى أقصى غرب السنغال
ووجدت هنالك قوما لباسه البيض، يسبغون وضوءه ، ويؤخرون صلاة الظهر(
وكان يقصد منه الطائفة اللاهينية ولعله كان يتوقع من الشيخ الخديم أن يعتب
5
على صنيعه إلا أن الشيخ أجابه بقوله: )لو فعل الجميع مثل أولئك لانغلقت
أبواب الني ا رن(.
سيدنا إمام الله هو الآخر عندما سمع يوما أن بعض أتباعه في قرية انكاخم
كانوا يتخاصمون مع أتباع الشيخ أحمد بمبا في القرية نفسها سارع إلى إطفاء
الفتنة وأرسل إليه خطابا ورد فيه ما يلي: )سمعت أن بعضك كانوا يتخاصمون
مع إخوانك من تلاميذ الشيخ أحمد بمبا وه وأنت مسلمون فواجب عليك أن
تكونوا إخوانا والمسلمون كله إخوة وليس في الإسلام عداوة وبغضاء(.
والأخ وة التي يقول سيدنا إمام الله في خطابه أنها يجب أن تربط بين جميع
عناصر الأمة المسلمة ف س رها الشيخ الخدي في نهج قضاء الحاج بقوله:
والأخ حقا والخليل صدقا أندر من كل قليل حقا
فهو الذ كقول من جلا الحلك إن أخاك الحق من يسعى معك
ومن يضر نفسه لينفعك ومن إذا ريب الزمان صدعك
شتت فيك شمله ليجمعك قلت ومن يخفي الخنا ليرفعك
هذه الأخوة الصادقة هي ما كان يربط الشيخ أحمد بمب بسيد الحاج
مالك سه. هي ما دفع الشيخ الخديم إلى زيارته في قرية انجاردي. وهي التي
أيضا دفعت الحاج مالك سه إلى إرسال تلك الهدية التاريخية إلى الشيخ الخديم
وأرفقها بالبيتين التاليين:
هدية موجبها اجتلاب محبة يا أيها الحباب
6
أدام ربنا لنا حبل الوصال وكفنا شر الذ عادى وصال
فأجابه الشيخ الخديم بقوله:
ج ا زك خير الج ا ز الوهاب وفي صفا الوداد لا ترتابوا
فكيف لا والمصطفى المجاب قائدنا والقتل لا نهاب
هذه الأخوة الصادقة والمحبة الخالصة واحت ا رم الآخرين وتعظي مالديه هي
ما جعل سيدنا عيسى روح الله يرفض إعطاء الورد لتلميذه باي عيسى تياو الذ
س م ي به ورباه في كنفه إلى أن بلغ مبلغ الرجال. فأمره بأخذ الورد من والده الذ
كان مق د ما في الطريقة القادرية.
هذه الأخوة الصادقة والمحبة الخالصة هي ما جعل الخليفة العام للطائفة
اللاهينية سيدنا عبد الله يعطي لبعض أبنائه أسماء شيوخ ينتمون إلى طرق أخرى
لقوة العلاقة التي كانت تربظه به وه : سرين شيخ امباكي، والشيخ عبد الأحد
امباكي، والشيخ أحمد التجاني سه والشيخ إب ا رهيم ساخو وغيره .
لقد عثرت يوما على م ا رسلة جميلة بين تلميذ يطلب الورد من شيخه. التلميذ
ابن شيخ مريد عظي وشيخه مق د م لاهيني جليل. وعندما اطلعت على جواب
الشيخ لتلميذه أدركت أننا بعيدون جدا عن مستوى سعة الصدر والاحت ا رم المتبادل
الذ كان سلفنا الصالح يتمتعون به. التلميذ ابن ل )باي شيخ اندوي ( الشيخ
المريد العظي والعال الأس ا رر الكبير، والشيخ هو الإمام محمد الصغير غاي
المقدم اللاهيني الشهير. وقد ق أ رت من جواب الشيخ لتلميذه مايلي: )طلبت مني
7
الورد ول تبين لي أ ورد تريد. ونصيحتي أن تشاور أباك وأ طريقة أشارك إليها
فاسلكها ترشد(. وقد سألت التلميذ يوما عما قاله له والده المريد عندما استشاره،
فقال إن والده نصحه بأخذ الورد اللاهيني. ذلك التلميذ هو إب ا رهيم اندوي المشهور
ب باب اندوي اوحد من أكبر المداحين في الطائفة اللاهينية.
تلك الأخوة الصادقة والمحبة الخالصة هي ما يفتقده المتشيخ الذ يعاتبه
الشيخ الخدي في مسالك الجنان بقوله:
وحيثما يمل لغيره أحد مسترشدا يهج غ ا رمه الحسد
تبا له فإنه لو قصدا صلاح أمره فقط مجردا
لسره حصوله حيث قصد ولا يبالي بارتحاله أبد
أذكرك إخوتي الأع ا زء بنصيحة سيدنا إمام الله الذهبية لكافة الأمة المسلمة
)أوصيك أن تجعلوا بينك المحبة فإن أهل الجنة يتحابون ولا تجعلوا بينك العداوة
والبغضاء( هذه العداوة هي ما ينهى الشيخ الخدي إكنانه لكل من ينطق بكلمة
التوحيد:
ولا تعادوا من أ ريت فه يخرج لا إله إلا الله
ولكن مولانا الشيخ إب ا رهيم نياس ذهب أبعد من ذلك وقال في إحدى خطبه: )على
المسل أن لا يعاد شيوعيا والشيوعي لا يعاد مسلما والمسيحي كذلك. الناس
سواسية كأسنان المشط. الدنيا للجميع والآخرة للأب ا رر وربك أعل بمن هو أهدى
سبيلا(.
8
فلنملأ أيها الإخوة قلوبنا بالمحبة عالمين أن المحبة كنز لا يفنى ومهما
أعطيت منه.
نظرت في القرآن فوجدت أن كلمة الظلام تأتي فيه جمعا كثي ا ر أما كلمة
النور فل يأت فيه جمعا أبدا )الحمد الله الذ خلق الخلق وجعل الظلمات والنور(
)ولا الظلمات ولا النور( )ليخرجك من الظلمات إلى النور(. فكرت في الأمر
وأدركت أخي ا ر أن النور لا يجمع لأن النور واحد. بهذا النور يستنير الطالب
اللاهيني، وبه يستنير الطالب المريد ، وبه يستنير الطالب التجاني والقادر ،
وحتى المسل الذ لا ينتمي إلى أ طريقة صوفية بهذا النور يستنير. ليس للجبل
إلا قمة واحدة ولكن الطرق المؤدية إلها كثيرة متنوعة. قال سيد الحاج مالك سه:
فالطرق كلها إلى الرحمان موصلة مسلكة يا جاني
فالمه أن نصل جميعا إلى القمة أما التفاخر بالشيوخ والطرق فلا فائدة
منها.
لقد كنت قبل اليوم أنكر صاحبي إذا ل يكن ديني إلى دينه داني
وقد صار قلبي قابلا كل صورة فمرعى لغزلان ودير لرهبان
وبيت لني ا رن وكعبة طائف وألواح تو ا رة ومصحف قرآن
أدين بدين الحب أنى توجهت ركائبه فالحب ديني وإيماني
سيدنا عيسى سامب