top of page

القسط والعدالة كحل لمشاكل الساعة

 اللجنة العلمية

لا يختلف اثنان في أن العالم اليوم يمر بلحظات حالكة اختلط فيها الحابل بالنابل، أصبح فيها الإنسان حائرا في أمره، كثرت المفارقات الاجتماعية، أقيمت ندوات ومؤتمرات دولية بحثا عن الخلاص دون جدوى.

فقد الإنسان الثقة في نفسه وفي أخيه، دبّ اليأس في نفوس النشء وظهر في الساحة سلوكيات غريبة، أصبح الدين طقوسات منحصرة على دور العبادة ولم يعد له أي تأثير في الحياة العامة.

فسدت العقائد واتجه الناس نحو معتقدات أثرت سلبا في الحياة، حلت المادة محل الله تعالى ولم يعد الإنسان يأنس بأخيه الإنسان، فقد المناخ الأسري تأثيره وحيويته وعلى الرغم من كثرة الأمطار ما زالت المجاعة تهدد مصير الإنسان. دفع اليأس البعض إلى القيام بما يسمى الإرهاب ظانين أن ذلك يحمل الناس على احترام عقيدتهم.

وكأن هذا الوضع المظهري هو ما تشير إليه الآية الكريمة (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس)

فالإنسان المسلم يسمي ذلك ابتلاء من الله يشعر المرء بضرورة الرجوع إليه (ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون)

والسؤال المطروح هو هل هناك حل لهذه المشاكل؟ إذا كان هناك حل فمن يتولاه؟ .

بشر المصطفى (ص) أمته بظهور رجل من أمته سيجعل الله في يده أي في تعاليمه حلا لهذه المشاكل، وقد منّ الله تعالى للسنغال أن تكون تلك البشرى  نصيبه.

و في عجالة نود أن نشير إلى بعض تعاليمه لحل تلك المشاكل التي جعلت الإنسان لا يطيق الحياة على الأرض. وذلك في الجانب العقائدي، والتعبدي، والسياسي، والمعاملاتي ، والسياسي.

  1. العقيدة

إن السعادة هي منشود البشرية ومبتغاها، فالإنسان لا يريد أن يعيش أيامه المقدرة في هذه الدنيا شقيا تعيسا، بل يريد أن يعيش حياته ناعما بسكينة النفس وطمأنينة القلب، يتمتع بالأمن الداخلي والرضى الذاتي وبالأمل المشرق والحب الكبير. وهذه السعادة التي ينشدها الإنسان في حياته وبعد مماته شجرة منبتها النفس البشرية والقلب الإنساني ولكن الإيمان الراسخ بالله وبالدار الآخرة هو ماؤها وغذاؤها وهواؤها وضياؤها، وهو وحده الذي يمكن أن يفجر في قلب الإنسان ينابيع السعادة المتمثلة في صفاء النفس وطمأنينة القلب وانشراح الصدر وراحة الضمير.

ولقد صادف سيدنا إمام الله أمة مشلولة العقيدة ضعيفة اليقين متزعزعة الإيمان تلجأ إلى الأنصاب والأزلام كلما أصابتهم مصيبة ومتى نزلت بهم نازلة، فربى نفوس قومه وبنى عقيدتهم وأصلح قلوبهم وألزمهم كلمة التقوى، وكان يردد على مسامعهم نصائحه الذهبية (اذكروا الله في كل مكان)، (وأكثروا ذكر الله في كل وقت)، (ولاتغفلوا عن ذكر الله حيث كنتم) .... فلازم القوم ذكر ربهم في جميع أحوالهم وأثناء جميع مناسباتهم وأصبحوا بذلك ربانيين إلاهيين يعرفهم القريب والبعيد بأهل الله. وبذلك غذى سيدنا إمام الله الجانب الروحي في نفوس قومه وجعلهم بذلك يحسون بالمعية الربانية الدائمة والرقابة الإلهية المستمرة التي تمثل أعظم رادع عن الشر، وأكبر حافز على الخير وأقوى مدد لمكارم الأخلاق، فطابت لهم الحياة ونالوا مرضاة رب العباد.

  1. العبادة:

إن العبادة هي ركيزة الحياة ، قال تعالى:(وما خلقت الإنس والجن إلا ليعبدوني) فالعبودية تعني جعل رضا الله تعالى الغاية لجميع تصرفات العبد، سواء كان ذات طابع شعائري أم لا. أعطى سيدنا إمام الله المهدي المنهج الوسطية خوفا من وقوع أصحابه فيما يسمى الغلو الديني. ولم شتات المسلمين ودعاهم إلى الوحدة والبعد عن كل ما من شأنه تشتيت المسلمين، فجعل شعار الجميع لا إله إلا الله.

ففي زمن ظهوره كانت العبادة منحصرة على الرجال دون النساء والأطفال فأمر سيدنا إمام الله المهدي بمشاركتهما في العبادة. ولكي تكون للعبادة فعاليتها وأثرها المرجو أمر أصحابه بتكثير ذكر الله لتطهير نفوسهم من كلما يحول بينها وبين الرب سبحانه وتعالى. (ولا تغفلوا عن ذكر الله حيث كنتم فإنه يذهب بالسيئات ويكثر الحسنات)

  1. السياسة:

السياسة فن ومسئوليات وسلوكيات ترمي إلى خدمة الإنسان والمجتمع، غير أن سياساتنا العقيمة الرامية إلى المصلحة الفردية أدت إلى الأزمات  التي نعيشها الآن حتى أصبحت السياسة مرادفة للغدر والخداع والكذب، ومنافسات غير شريفة وفقدان الثقة بين الحاكم والمحكومين.

وأمام هذه الأزمات العويصة تطرق المصلح الأكبر إمام الله المهدي إلى بعض الحلول :

  1. نبه إمام الله المهدي إلى أن المناصب مسئولية وليست مغنمة (الإمام الأعظم يسأل عن بلده) يؤكد في هذا بأن الرئيس سيسأله الله تعالى يوم القيامة عن حال البلد في فترة رئاسته في جميع المجالات (الاقتصادية، الاجتماعية، السياسية، التعبدية...)

  2. وعند نشوب الأزمات، كان من أول دعاة اللاعنف، سبق في ذلك غاندي ومارتين لتير كيين وغيرهما، دعا إلى الحوار لحل الأزمات وأن يكون الحوار مبنيا على مبادلة الاحترام والمحبة ، فقال (وآمركم بأن تتآلفوا وتتعاونوا وتتزاوروا وتتشاوروا....)

  3. وبما أن السياسية دائما يرافقها التنافس أمر إمام الله المهدي أن تكون المنافسة في مصلحة الوطن والجميع فيقول (ولا تكاثروا مال الدنيا بل تكاثروا خير الآخرة) وقال (ولاتنازعوا إلا إلى الهدى والتقوى)

  4. المعاملات:

الإنسان كائن اجتماعي لا يستطيع أن يعيش منفردا ، فهو مضطر على أن يعيش في إطار مجتمع يتعامل فيه مع أفراده ، على الرغم من اختلاف أجناسهم ولغاتهم وأديانهم وأعمارهم وسلوكياتهم وعقائدهم. كما قال تعالى (إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا). وقد أولى الإسلام للمعاملات أهمية قصوى وجعلها جزءا لا يتجزأ من الدين، فهي مع العبادة توأمان شأنهما إصلاح النوع البشري وضمان الحياة الهادئة على وجه الأرض. فكيفية معاملة المسلم مع إخوانه مهمة أهمية الصلاة والزكاة وسائر العبادات ، ولذا يذكرها الله بعد ذكر العبادة في آيات كثيرة كقوله تعالى :(واعبدوا ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا).

ولكن مع الأسف أهمل كثير من الناس هذا الجانب الكبير من الدين، بل كادوا يخرجونه منه، فعمت المشاكل في الحياة الاجتماعية، وفشى الظلم والفوضى في العالم، وتنكد العيش في الأسرة ، والمجتمع، وتسربت المشاكل حتى وصلت إلى كل نواحي الأسرة والمجتمع لانعدام القسط في المعاملات سواء كان بين الزوج وزوجاته، وبين الأب وأبنائه، وبين المسلم وأخيه  حيث دخلت في المعاملات النزعة القبلية أو المصالح الفردية، فطغى صاحب العمل على عماله ولا يحترم حقوقهم، والحاكم على المحكومين، وأصبح القضاء آلة تستعمل للطغيان على الضعفاء والفقراء .....

وقد قامت منظمات جديدة للدعوة إلى المحافظة على حقوق الإنسان والمرأة والطفل، ولكنها لم تؤد إلى نتائج مرضية لأنها كانت تعتمد على أفكار أكثرها جائرة تخالف المبادئ الشرعية.

ولذا أصبح الإنسان يعيش في حيرة شديدة لا يكاد يجد حلا لهذه المشاكل. فآن الأوان أن نرجع إلى تعاليم الدين الإسلامي الحنيف، وإلى إرشادات خالق العالم الذي وضع للإنسان ما يضمن له الحياة السعيدة على الأرض.

ويجب أن نرجع على الأخص إلى تعاليم الإمام المهدي الذي بشر به النبي أمته باعتباره رجلا يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا.

ومن الحلول التي نستمدها من تعاليمه في هذا الجانب:

  • التآلف والتحابب:

ألح سيدنا إمام الله المهدي كثيرا في التحابب والتآلف الذين ينبغي أن يكونا ركيزة الحياة الاجتماعية، وقال فقال () وذلك

  • المسئولية الشاملة:

وسع سيدنا إمام الله المهدي دائرة المسئولية، وأحس كل إنسان، مهما كانت مكانته في المجتمع، على أنه مسئول وسيسأل عن مسئوليته أمام مولاه. وتبدأ المسئولية بـ :

مسئولية المرء على نفسه : وفي هذا الجانب يقول:"وأنا آمركم بجهاد النفس، وهو حفظ جميع الجوارح ما استطعتم والوقوف على حدود الله كما أمر به ..."

مسئولية تربية الأسرة: فيحمّل الوالد مسئولية إعداد الفرد في الأسرة ليكون عضوا صالحا للمجتمع فقال :(أوصيكم بالعيال كلكم راع وكل راع مسئول عن رعيته)

ومسئولية صاحب العمل حيث كان :(والعبد يسأل عن مال سيده كيف حفظه) فيترتب على ذلك سؤال صاحب عن عمله.

ولأهمية القضاء في حسن سير الدولة أشار إمام الله المهدي إلى مسئولية القاضي فقال :(والقاضي يسأل عن قضائه وكيف قضى). فهذه الكلمات الوجيزة تحمل في طياتها كل ما فيه صلاح المعاملات إذ تطلب من كل فرد أداء مهمته بالقسط ويضع في الاعتبار بأنه مسئول أمام الله عن كل ما صدر عنه في مهمته سواء أكان صاحب عمل أو عاملا، أو رئيسا أو مرؤوسا، أو تاجرا أو زبونا، أوقاضيا أو محاميا.

جـ - ملازمة الإصلاح:

أوصى الإمام المهدي تلاميذه بالسعي إلى كل ما فيه صلاح المجتمع، والاجتناب عن كل ما يؤدي إلى الفساد، فقال :(كونوا مشاة للخير وجلاسا للشر) وقال (كونوا صلاحا ولا تكونوا فسادا)، ولهذا الإصلاح نظم الحفلات الاجتماعية وأزال الغلو فيها ، فنهى عن الجلوس في مجالس التعزية، فقال (بعد دفن الميت ورجوع الشياع وتعزية العيال والإخوان فانتشروا وافترقوا وانصرفوا إلى دياركم) فالحفلات الاجتماعية كما نحتفل بها الآن أدت إلى مشاكل كبيرة تحل بتطبيق هذا المبدأ. 

  1. الاقتصاد:

اهتم الإنسان منذ نزوله على الأرض بما يقيم حياته، وينظم أدوار أمثاله من المجتمع لضمان حياة مستقرة متوازنة سعيدة.

 وقد شهد القرن العشرون تأثرا ملحوظا للإنسان العصري بتيارات فكرية عقائدية حاولت جاهدة تنظيم حياة الأفراد والمجتمعات، وكان الفكر الرأسمالي والفكر الشيوعي أكثر هذه التيارات انتشارا وأقواها تأثيرا. فإذا كان الفكر الرأسمالي يعتمد على تقديس الفرد وملكيته الفردية، واعتبار حافز الربح والمنافسة، وعدم التدخل في الأسواق، فإن المدرسة الشيوعية ترى من ذلك توسيعا للهوة الفاصلة بين الأغنياء والفقراء واستغلالا للطبقات المحدودة الدخل من الطبقات البورجوازية مما يؤدي إلى تشتت العلاقات الاجتماعية وتهديد الأمن والسلام وينتهي إلى ثورة الطبقة الكادحة التي ستلغي الملكية الفردية لوسائل الإنتاج.

فإذا أصاب الشيوعيون في تشخيصهم لمشاكل الرأسمالية فإن الحظ لم يحالفهم في تقديمهم للحلول. فالموت الفجائي لفكرهم كانت نتيجة النقص الذي يشوبه في عدم اعتبار حافز التملك والإنتاج لدى الإنسان مما يؤدي إلى مجتمع متكاسل غير منتج. أما الرأسماليون فانتصارهم المؤقت على الشيوعيين لم يدم طويلا لتضربهم  في قعر دارهم أشد أزمات العصر الاقتصادية والمصرفية التي نتجت عن التجاوزات الناتجة من الاندفاع وراء تفخيم الربح والمنافسة غير الشريفة وعدم اعتبار الأخلاق والدين في الحياة الاقتصادية.

وبعد مئات من السنين ما زالت المشكلة قائمة ولن يكون الحل في محاولة التوفيق بين التيارين أو إصلاح أحدهما كما يريد مؤيدو الطريق الثالث لأن الخطأ لا يكمن في ميكانيكية تطبيق هذه التيارات وإنما في ركائزها ومبادئها.

ولقد شاءت المقدرة الإلهية أن يظهر الموعود المنتظر في وسط هذا القرن الذي تميز بظهور مفكرين بارعين حاولوا بدون توفيق العثور على طريق الخلاص، ولقد تمثلت زوايا البديل الإسلامي المهدوي فيما يلي:

  • الغاية في الإنتاج هي العبادة: هذا البعد الروحي للعمل أغفلته كل التيارات الاقتصادية الوضعية ويمثل نقطة ضعفها. ففي ظل البديل الإسلامي يجهد المنتج المسلم ويتعب طلبا لمرضاة الله الذي استخلفه في ماله يقول تعالى :(وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة)

  • الاقتصاد بقيم أخلاقية: يعتبر المنتج المسلم الضوابط الإسلامية التي تحكمه في العمل الإنتاجي ونذكر منها:

  • تحري الحلال والطيب في المعاملات: يقول  الإمام المهدي في هذا الصدد (لا تأكلوا إلا طيبا ولا تشربوا إلا طيبا ولا تركبوا إلا طيبا ولا تلبسوا إلا طيبا ولا تفعلوا في جميع ما تنتفعون به شيئا إلا طيبا والطيب هو الحلال)

  • عدم إلحاق الضرر بالغير: فحرية تملك المشروع يضبطها عدم الإفساد أو إلحاق الضرر بالغير حتى بالبيئة. يقول الإمام المهدي في هذا الصدد (يجب على الكبار(...) حفظ المواشي في اتباع حقها وكفها عن حقوق الناس)

  • التوازن بين المادة والروح: يقول في هذا الصدد (أزوركم في بساتينكم ، بستان دنياكم وبستان آخرتكم، وبستان حياتكم وبستان مماتكم) ويشير هذا الكلام إلى النظرة الوسطية التي تعير الاهتمام بجوانب الإنسان المادية والروحية لضمان حياة مستقرة متوازنة.

  • الملكية الفردية والتكافل الاجتماعي: شجع الإمام الله أصحابه على الكسب المشروع وكان مثلهم الأعلى في العمل الفردي والنشاط ولكن هذه الحرية في الكسب والتملك لا تكون على حساب مصلحة الجماعة أو بعدم الاهتمام بالمحتاجين. فكانت ركيزة دعوته هي خلق مجتمع متكافل متجانس يهتم بمحتاجيه عن طريق التطبيق الشامل للزكاة والاهتمام بالضعفاء يقول في هذا الصدد (ولا أسألكم مالكم ولا ما اتخذتم لمقتناة ولكن أسألكم مال الله الذي هو فريضة على ذمتكم ) وأمر بإخراجه في وقته كاملا.

بهذه العجالة يظهر مدى فعالية الحلول المهدوية لمشاكل العصر الاقتصادية والتي تتلخص في الإنتاج الفردي باتباع الطرق الشرعية وضمان حد الكفاف لكل أفراد المجتمع، وعدم إلحاح الضرر بالغير، ويلخص النظرة هذه الآية القرآنية (وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض).

 

اللجنة العلمية

bottom of page