التدخين
موسى غاي
اللجنة العلمية
(وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين)[i] أكيد لولا هذه لا يكون هناك سبيل إلى الكتابة زيادة على ما سطرت يراع الكتاب المتخصصين منهم وغيرهم في موضوع التدخين، وذلك راجع إلى تعدد البحوث حوله، بعضها يأخذ الطابع الديني والبعض يعالجه بالمنظور الصحي وأخرى ينظّر بالبعد الاجتماعي أو الاقتصادي.
ورغم ذلك كله نرى أن التدخين يزداد تدفقا واسعا ويتمتع بإقبال كبير من الناس, يرجع ذلك أحيانا إلى الجهل بما يسببه من أضرار، أو إلى تجاهله، وربما يرجع إلى اللامبالاة والتقليد من جانب وبفقدان الثقة بالنفس والانحطاط الخلقي من جانب آخر.
نبذة عن تاريخية
وعرف التدخين منذ مئات السنين، وكان أول من اكتشف التدخين هو كريستوفر كولومبو، وكان
يزرعه الهنود الحمر وذلك في أواخر القرن الخامس عشر ميلادي ولقد دخل أوروبا عام
951 م حيث استورده البحار الفرنسي )نيكوت( ولذلك سميت المادة الرئيسية في التدخين
بالنيكوتين .[ii]
ظاهرة التدخين أصبح التدخين ظاهرة عالمية قلّ ما تنعدم في شعب من الشعوب أو بلد من البلدان ، ولا يخفي على أحد ما فيها من أضرار جسيمة والتي أثبتت الدراسات العلمية آثارها الضارة .
لكن نجد رغم الآثار الضارة أنه مازال يحتل حيزا واسعا في السوق لما يجلب من مال بعضه يرجع إلى المشتغلين في القطاع الخاص، ويرجع النصيب الأوفر –وهو الدافع الأساس في بقائه وصيرورته- في صندوق الدول أو بالأحرى في جيوب حراسها. الأمر الذي ما كان ليكون لولا مهمة أصحاب الأوامر بالنفع المادي البحت، وإغضائهم الطرف عن البعد الصحي والمصلحة العامة التي تقتضي منعها أو محوها عن الوجود.
وقد ثبت أن التدخين - باختلاف أنواعه – مضر بحياة الإنسان، لكن المجال لا يتسع للتوسيع في جميعها بل سأقتصر فقط بتدخين السيجارة وهو الأكثر شيوعا وترويجا في السنغال.
ولو كانت الأضرار يقتصر على المزاول له فقط دون غيره لكانت اختيارية لكن أثبتت دراسات طبية أن مخلفات التدخين الضارة تعم شارب الدخان ومستنشقه على السواء.
أسباب الوقوع في التدخين وإما عن أسباب الوقوع في التدخين فيعد أصدقاء السوء السبب الرئيس له إذ أن كثيرا من المدخنين يرجع إلى أصدقائهم المدخنين، وحتى الذين يرغبون في الإقلاع عن التدخين تجد أن رفقاءهم المدخنون يقفون دون نجاح تحقيق رغبتهم، ويليه جهل الأشخاص بأضرار التدخين لذا جاءت هذه المعلومات لتلقي الضوء على الأضرار الوخيمة للتدخين والذي هو بحق طاعون العصر علها تسهم في إن يقلع عدد من الناس عن التدخين .
الحظر من التدخين وبعد أن بلغ السيل الزبى[iii] أصبحت الأضرار المتولد عن التدخين ظاهرة للعيان فعرفه المتخصص والعامي البعيد والقريب، وثبتت أيضا أن المشاكل الناجمة عنه يعم المدخن ومستنشقه، ظهرت ما يسمى الحظر من التدخين، وهو قائم على أساس حماية الأفراد الذين لا يدخنون ويستنشقون الهواء من تأثيرات التدخين السلبي، وهي تقوم بزيادة مخاطر الإصابة بأمراض القلب والسرطان، وهذا ما يسمى بالتدخين السلبي.
التدخين السلبي: ومعروف أن التدخين عملية اختيارية لكن التنفس فلا، وقد أسفر ت الأبحاث العلمية عن وجود أدلةٍ تدلّ على أنّ التدخين السلبي يسبب المشكلات نفسها التي يسفر عنها التدخين المباشر، والتي منها سرطان الرئة، أمراض القلب، أمراض التنفس.
وهناك حقيقة مرة ومثيرة للألم توحي إلى أن المدخن يستنشق حوالي %15 فقط من محتويات السيجارة بينما ينفث %85 من طرفها المحترق إلى الهواء ومن ثم يستنشقها آخرون. وهذا ما يسمى التدخين السلبي كما أسلفت. وهكذا ينتقل الضرر والخطر إلى آخرين أبرياء. وهناك إحصائيات طبية تشير إلى أن الأطفال لوالدين مدخنين تزداد لديهم معدلات الإصابة بحساسية الصدر إلى أضعاف المعدلات الطبيعية[iv].
و قد قام كثير من الدول بصورة أو بأخرى بسن قوانين لحظر التدخين في الأماكن المغلقة على مر السنين الماضية، كما قام بعض المشرعين بنقل أدلة علمية تظهر أن تدخين التبغ مضر للمدخنين أنفسهم ولهؤلاء الذين يستنشقون دخان التدخين السلبي. وليس ويرجع بعض أسبابها إلى الاحتياط من إشعال النيران في المناطق ذات مخاطر التفجير والقابلة للإشعال، وكما يلعب دورا بارزا في اقتصاد نفقات الرعاية الصحية حيث لوحظ تدهور كثير من حالات الإصابة بأمراض السرطان أو الانتفاخ الرئوي[v]، والحظر من التدخين جعل معدل طلب التبغ ينخفض كثيرا حيث أن إقامة بيئة من الصعب إتاحة فرصة للمدخن فيها يعد اهتماما بالصحة العامة.
وفي الموقع wikipidia.org نرى أن المنظمات التي تعنى بالصحة وتؤكد بوجود الأضرار الناجمة عن التدخين السلبي منها: المعهد الوطني الأمريكي للسرطان،مراكز مكافحة الأمراض واتقائها والمنظمة العالمية للصحة. ففيه دراسات عديدة أجرت في مخاطر التدخين وإحصائيات تحوي نسبة الأضرار ومدى انعكاس الضرر إلى الأبرياء غير المدخنين والذين يستنشقون رغم أنفهم الهواء الملوث من قبل المدخنين.
موقف سيدنا إمام الله من التدخين:
ثبت أنه كان لسيدنا إمام الله عليه الصلاة والسلام موقفا صارما ضد التدخين ، وكان يصر بشدة في منعه إصرارا بالغا لا نظير له، وكان ذلك كله قبل سن القوانين التي تحظر التدخين في الأماكن العامة المغلقة، وقبل كثير من الدراسات الطبية التي تثبت الأضرار الجسيمة التي تنبعث من التدخين وتضر مزاوله ومستنشقه، وقبل تطرق كثير من الباحثين والمجتهدين الذين أثبتوا بالبراهين والحجج الدامغة عن موقف الإسلام من التدخين وآثاره الاجتماعية والاقتصادية.
والمتمعن يرى أن الإمام ما كان يتخذ التنظير سبيلا في منع التدخين بإثبات أدلة دينية وأخرى اقتصادية واجتماعية، وكيف يتسنى لمثله ذلك وقد أوتي جوامع الحكم .
فقد ثبت عنه أنه كان يزجر بشدة على المدخن ويمنعه من الاقتراب ببيته وبالمسجد كذلك و يتوعدهم، فقد كان يقول: لا يقتربنّ المسجد مدخن، لا يقتربنّ بيتي مدخّن.
و حتى في تشييع الجنازات كان عليه الصلاة السلام يمنع من أن يقترب مدخن من النعش ناهيك عن حمله وقد شاع ذلك في أوساط أتباعه، فلا يشارِك المدخنون في حمل النعش. قد يعد ذلك زجرا كما قد يكون وراء ذلك أسباب أخرى دخيلة.
والإناء بما فيه ينضح...فأتباعه - عليه الصلاة والسلام- من بعده ساروا على المنوال نفسه، بدءا بأهل بيته، فقد كانوا وما زالوا يكرهون التدخين ويمنعون تعاطيه ويزجرون فاعله.
ومما يؤكد ذلك يروى أنه كان في زمن السيد مام بابكر لاي[vi] رجل من ذوي القربى قد زاره في بيته وكان الرجل مدخّنا، وما إن صافحه الشيخ وتبينه حتى جذب يده متشمّرا عن ساعديه ويقول وهو جد ّغضبان: هاتوني بماء وصابون فقد أفسد عليّ الرجل... ثم غسل يديه بهما، فكان ذلك زجرا مؤلما على المدمن مما جعله سببا في إقلاعه عن التدخين فانتهى عن التدخين انتهاء وودعه الوداع الأخير.[vii] وهكذا كان أسلوب سيّدنا إمام الله المهدي في منع التدخين حتى أصبح أمرا معروفا فيه وفي أهل بيته وأصحابه رضوان الله عليهم أجمعين ، كذلك أتباعه من بعده فقد اتبعوا السبيل نفسه ، وحتى في البقع التي يقنطها اللاهينيون يمنع التدخين فيها حتى أصبح عادة معروفة لديهم أعني منع التدخين فيها رغم الحالات الاستثنائية.
وبالتالي كان ينبغي أن يكون فخرا ليس فقط على كل سنغالي بل على الأفارقة جميعا لو تبينوا موقف سيدنا إمام الله عليه السلام من التدخين وتمسكوا به باعتبار أنه من أوائل - إن لم يكن أول- من تطرق إلى الحظر من التدخين وذلك قبل الاكتشافات اللاحقة عن أضرارها بمختلف الأبعاد، وليس ذلك بمستبعد طبعا لمن أوتي علوم الأولين والآخرين ولمن جاء منقذا للبشرية من الظلام الدامس أن يتوقف على حقائق الأمور ودقائقها دون التطرق إلى التنظير وتبرير الموقف فهو مصدر يعتمد عليه وليس بمرجع يعتمد على الاكتشافات ناهيك عن الكتب حيث أنه لا تسع الكتب علمه صلوات الله وسلامه عليه، وكيف يكون رسولا[viii] إذا تساوى معهم.
(وَمَا الْفرق مَا بَين الْأَنَام وَبَينه ... إِذا حذر الْمَحْذُور واستصعب الصعبا[ix])
لا أجبرك على اتّباعه إطلاقا، ولستُ بصدد ذلك أبدا فأنت مختار وقد وهب لك الله ميزان الحق والباطل وهو العقل، وقد صدق تعالى حين أقسم بالشمس والقمر والنهار والليل والسماء والأرض والنفس قائلا (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا)[x] لكن تقبل أنه جاء بشيء متزن يمكن أن يكون حلاّ للمشكلات العويصة التي نعيشها.
لا تخبرني –رحمك الله- إني خرجت من الموضوع نسبيا، فما زلت في صدد التدخين والحظر منه وخاصة في الأماكن العامة المغلقة، فأقول كان ينبغي للسنغال أن تكون أول بلد لا أقول إفريقي ولكن في العالم كله يقوم بمعالجة التدخين وتقوم بالحظر منه في مجلس النواب (البرلمان) وإدخاله في الدستور، حتى ينعش العالم بعبير نتاجها الفريد سياسيا بعد أن ثبت ذلك كله في مجال الدين. وربما تصادف الذكرى الرابعة والثلاثين بعد المئة لدعوته، واليوم العالمي للكفاح ضد التدخين يلفت الأنظار إلى أن الحل في تطبيق تعاليم سيدنا إمام الله الغراء للنجاة من المشكلات العويصة التي يعيشها العالم اليوم. والحمد لله على كل حال.
موسى غاي
أستاذ اللغة العربية
اللجنة العلمية
[i] سورة الزاريات آية55
[ii] التأثيرات الصحية للتدخين\ د عباس حسين مغير الربيعي\جامعة بابل\قسم العلوم العامة
[iii] (بلغ السيل الزبى) مثل عربي يضرب لشيء تجاوز حدوده.
[iv] المرجع السابق\ التدخين السلبي
[v] هذا حسب ومقع wikipedia
[vi] مام بابكر لاي ابن لسيدنا إمام الله
[vii] القصة حكاها محمد المختار في الذكرى 133 من دعوة سيدنا إمام الله صلى الله عليه وسلم في جاملاي
[viii] صحيح لست بموقف تبرير رسالته أبدا فهو الذي قال بنفسه أنه رسول الله المهدي محمد عليه صلاة الله وسلامه وليس ادعاء مني فصدقته والحمد لله على ذلك.
[ix] البيت قاله المتنبي في مدح سيف الدولة
[x] سورة الشمس آية 9-10