المهدي في السنة وأقوال العلماء فيه
مام الحسن جوب
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم، ثم الصلاة والسلام على من هو بالمؤمنين رؤوف رحيم، سيدنا محمد مهدينا و هادينا إلى الصراط المستقيم، و على آله وصحبه و من تبعه بإيمان و إحسان إلى يوم الدين.
المتتبع لمصادر التشريع الإسلامي يرى أن للسنة منزلة عظيمة وأهمية كبيرة في الشريعة الإسلامية، باعتبارها تفسيرا للقرآن الكريم - الذي هو المصدر الأول للشريعة - قال تعالى (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) [سورة النحل 44] باعتبارها زيادة عليه و تكملة و خاصة في الأمور التي سكت عنها القرآن يقول الرسول صلوات الله عليه وسلامه: "ألا إنني أوتيت القرآن و أوتيت مثله معه" في سنن أبي داود. قال تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَىٰ)[سورة النجم 3 - 5] و على هذا فإن أكثر العبادات لا نجد لها تفصيلا في القرآن الكريم بل في السنة النبوية كالصلوات الخمسة و كيفية أدائها و كذالك الزكاة والصوم و الحج و غيرها مما تقررت من العبادات و المناسك التي اجتمعت الأمة حولها سلفا و خلفا. فالواجب إجماعا أن يتبع المسلم الرسول صلى الله عليه وسلم ويعمل بسنته قولا و فعلا؛ قال تعالى:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [سورة الحشر 7] (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ۚ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ) [سورة التغابن 12] لهذا حرص المسلمون منذ عهد الرسول بعد حفظ القرآن الكريم على جمع و تحقيق و تمحيص ما ورد عن النبي من أقوال و أفعال. وضعوا قواعد لمعرفة صحيح السنة من سقيمها .
و كان من أهم ما و صل إلينا من أحاديث عن طريق أئمة الحديث المختصين بالسنة النبوية الشريفة أحاديث تبشر بخروج المهدي في آخر الزمان و هو من أهل بيت الرسول يوافق خروجه خروج نبي الله عيسى عليه السلام الذي يصلي خلفه و يكون له خليفة.
أحاديث المهدي خرجها جماعة كثيرون من الأئمة في الصحاح والسنن و المعاجم والمسانيد كأبي داود في سننه و ابن ماجه في سننه أيضا و الترميذي في جامعه و أحمد في مسنده والنسائي في سننه و الطبراني في الكبير و الأوسط و الصغير والدارقطني في الافراد وابن عساكر في تاريخه و غيرهم مما يبلغ ثمانية و ثلاثين إماما. أما في الصحيحين فأحاديث المهدي لم ترد فيها على وجه التفصيل أو التصريح بل جائت مجملة و قد وردت في غيرهما مفصلة. و لكن لا يقلل ذلك من شأن أحاديث المهدي فالصحيح والحسن في غير الصحيحين. كما أن الصحيحين لا يخلوان من أحاديث المهدي و نزول عيسى عليهما السلام.
من الصحابة الذين رووا أحاديث المهدي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان بن عفان، علي بن ابي طالب، طلحة بن عبيد الله، عبد الرحمن بن عوف، الحسين بن علي، أم سلمة، أم حبيبة، عبد الله بن عباس، عبد الله بن مسعود، عبد الله بن عمر، أبو سعيد الخدري، جابر بن عبد الله، أبو هريرة، أنس بن مالك، عمار بن ياسر، عوف بن مالك، ثوبان مولى رسول الله، قرة بن إياس، علي الهلالي، حذيفة بن اليمان، عبد الله بن الحارث، عوف بن مالك، عمران بن حصين، أبو الطفيل، جابر الصدفي
تواتر أحاديث المهدي
نورد فيما يلي أهم من قالوا بتواتر أحاديث المهدي:
قال القاضي محمد بن علي الشوكاني المتوفى سنة خمسين بعد المئتين والالف ، في كتابه التوضيح في تواتر ما جاء في المهدي المنتظر والدجال والمسيح : «فالاحاديث الواردة في المهدي التي أمكن الوقوف عليها منها خمسون حديثاً فيها الصحيح والحسن والضعيف المنجبر ، وهي متواترة بلا شك ولا شبهة ، بل يصدق وصف المتواتر على ما هو دونها في جميع الاصطلاحات المحررة في الاصول ، وأما الآثار عن الصحابة المصرحة بالمهدي ، فهي كثيرة جداً ، لها حكم الرفع ; إذ لا مجال للاجتهاد في مثل ذلك"
وقال الإمام أبو الحسن محمد بن الحسين الآبري في كتاب مناقب الشافعي :« وقد تواترت الأخبار واستفاضت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم بذكر المهدي وأنه من أهل بيته، وأنه يملك سبع سنين،(ورد في الأحاديث أيضا تسعا و أربعين) وأنه يملأ الأرض عدلاً، وأن عيسى يخرج فيساعده على قتل الدجال، وأنه يؤم هذه الأمة ويصلي عيسى خلفه« .
وقال محمد البرزنجي المتوفى سنة ثلاث بعد المئة والالف في كتابه الاشاعة لاشراط الساعة في الاشراط العظام والامارات القريبة التي تعقبها الساعة ، وهي أيضاً كثيرة ، فمنها المهدي ، وهو أولها . واعلم أن الاحاديث الواردة فيه على اختلاف رواياتها لا تكاد تنحصر إلى أن قال: «قد علمت أن أحاديث وجود المهدي وخروجه آخر الزمان ، وأنه من عترة رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) من ولد فاطمة ، بلغت حد التواتر المعنوي ، فلا معنى لانكارها«.
قال المحدث الناقد أبو العلاء السيد إدريس بن محمد بن إدريس العراقي الحسيني في تأليف له في المهدي ما نصه: «أحاديث المهدي متواترة – أو كادت – وجزم بالأول غير واحد من الحفاظ النقاد »
قال المحدث أبو الطيب صديق حسن الحسيني البخاري في كتاب الإذاعة »: والأحاديث الواردة في المهدي – على اختلاف رواياتها كثيرة جداً تبلغ حد التواتر وهي في السنن وغيرها من دواوين الإسلام من المعاجم والمسانيد) وقال أيضاً بعد كلام له ما نصه:
وقال العلامة أبو عبد الله محمد جسوس في شرح رسالة أبي زيد «ورد خبر المهدي في أحاديث ذكر السخاوي أنها وصلت إلى حد التواتر».
وقال الحافظ ابن كثير في (نهاية البداية والنهاية) (1/37): فصل في ذكر المهدي الذي يكون في آخر الزمان وهو أحد الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين وليس بالمنتظر الذي تزعم الروافض, وترتجي ظهوره من سرداب في سامرا, فإن ذاك مالا حقيقة له ولا عين ولا أثر.. وأما ما سنذكره فقد نطقت به الأحاديث المروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه في آخر الدهر, وأظن ظهوره يكون قبل نزول عيسى بن مريم كما دلت على ذلك الأحاديث ثم ذكر الحافظ ابن كثير بعض ما ورد في ظهور المهدي من الآثار).
وقال السفاريني في عقيدته المسماة (بالدرة المضية في عقيدة الفرقة المرضية):
(وما أتى في النص من أشراط فكله حق بلا شطاط
منها الإمام الخاتم الفصيح محمد المهدي والمسيح)
وقال أيضاً: «كثرت الأقوال في المهدي حتى قيل: (لا مهدي إلا عيسى), والصواب الذي عليه أهل الحق: أن المهدي غير عيسى، وأنه يخرج قبل نزول عيسى عليه السلام، وقد كثرت بخروجه الروايات حتى بلغت حد التواتر المعنوي, وشاع ذلك بين علماء السنة حتى عد من معتقداتهم.. ثم ذكر بعض الأحاديث الواردة فيه من طريق جماعة من الصحابة ثم قال: وقد روي عمن ذكر من الصحابة وغير من ذكر منهم بروايات متعددة، وعن التابعين من بعدهم، مما يفيد مجموعه العلم القطعي، فالإيمان بخروج المهدي واجب كما هو مقرر عند أهل العلم، ومدون في عقائد أهل السنة والجماعة»
قال السيد أحمد بن السيد زيني دحلان مفتي الشافعية في (الفتوحات الاسلامية): «والأحاديث التي جاء فيها ذكر ظهور المهدي عليه السلام كثيرة متواترة, فيها ما هو صحيح, وفيها ما هو حسن, وفيها ما هو ضعيف وهو الأكثر, ولكنها لكثرة مخرجيها, يقوّي بعضها بعضاً حتى صارت تفيد القطع, لكنَّ المقطوع به أنَّه لابدَّ من ظهوره,وأنَّه من ولد فاطمة, وأنَّه يملأ الأرض عدلاً».
الشيخ صديق حسن القنوجي المتوفى سنة سبع بعد الثلاثمئة والالف . قال في كتابه الاذاعة لما كان وما يكون بين يدي الساعة : «والاحاديث الواردة في المهدي على اختلاف رواياتها كثيرة جداً ، تبلغ حد التواتر المعنوي ، وهي في السنن وغيرها من دواوين الاسلام من المعاجم والمسانيد» إلى أن قال : «لاشك أن المهدي يخرج في آخر الزمان من غير تعيين شهر ولا عام ، لما تواتر من الاخبار في الباب ، واتفق عليه جمهور الامة خلفاً عن سلف ، إلاّ من لا يعتد بخلافه» إلى أن قال : «فلا معنى للريب في أمر ذلك الفاطمي الموعود المنتظر ، المدلول عليه بالادلة ، بل إنكار ذلك جرأة عظيمة في مقابلة النصوص المستفيضة المشهورة ، البالغة الى حد التواتر»
الشيخ محمد بن جعفر الكتاني المتوفى سنة خمس وأربعين بعد الثلاثمئة والالف . قال في كتابه نظم المتناثر في الحديث المتواتر: «والحاصل أن الاحاديث الواردة في المهدي المنتظر متواترة ، وكذا الواردة في الدجال ، وفي نزول سيدنا عيسى ابن مريم(عليه السلام)»
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في (منهاج السنة النبوية 4/211)« :الأحاديث التي يحتج بها على خروج المهدي أحاديث صحيحة رواها أبو داود, والترمذي, وأحمد, وغيرهم من حديث ابن مسعود وغيره. »
وقال الشيخ العلامة عبد العزيز بن باز : «أما إنكار المهدي المنتظر بالكلية كما زعم ذلك بعض المتأخرين فهو قول باطل، لأن أحاديث خروجه في آخر الزمان, وأنه يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً، قد تواترت تواتراً معنوياً، وكثرت جداً واستفاضت كما صرح بذلك جماعة من العلماء بينهم: أبو الحسن الآبري السجستاني من علماء القرن الرابع, والعلامة السفاريني, والعلامة الشوكاني وغيرهم، وهو كالإجماع من أهل العلم، ولكن لا يجوز الجزم بأن فلاناً هو المهدي إلا بعد توافر العلامات التي بينها النبي صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الثابتة، وأعظمها وأوضحها كونه يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً».
أقوال العلماء في ظهور المهدي
اختلف أقوال العلماء في المهدي المنتظر و تعددت آرائهم . و رغم كثرة وجهات النظر ينقسم العلماء إلى منكرين مكذبين أو مترددين، وإلى مؤيدين مؤمنين بظهوره من أهل سنة و شيعة. و سنورد فيما يلي أهم الأقوال في قضية المهدي التي نلخصها في خمسة مذاهب ( أقوال)
القول الأول :
هم المنكرون والمكذبون بظهور المهدي و يؤمنون أنه لا مهديا يظهر غير نبي الله عيسى عليه السلام. يستدلون بحديث "لا مهدي إلا عيسى" . وممن نفى ظهور المهدي وأنكر أحاديث المهدي عبد الرحمن بن خلدون (ت 808 ه) في مقدمته قال: " وهي (الأحاديث) كما رأيت لم يخلص منها من النقد إلا القليل" المقدمة (574/1 (ومنهم محمد رشيد رضا قال: " وأما التعارض في أحاديث المهدي فهو أقوى و أظهر والجمع بين الروايات فيه أعسر والنكرون لها أظهر ولذلك لم يعتد الشيخان البخاري ومسلم بروايتها في صحيحهما وقد ضعف كثير من أئمة المسلمين أحاديث المهدي " تفسير المنار (416/9 ( ومنهم أحمد أمين قال في كتابه ضحى الإسلام (243/3) : " حديث المهدي هذا حديث خرافة وقد ترتب عليه نتائج خطيرة في حياة المسلمين" و منهم الأستاذ عبد الوهاب عبد اللطيف في تعليقه على( تحفة الأحوذي لشرح جامع الترمذي) 477/6 :" يرى الكثيرون من العلماء أن كل ما ورد في أحاديث المهدي إنما هي موضع شك وأنها لا تصح عن النبي صلى الله عليه وسلم وإنما هي من وضع الشيعة".
حجتهم :
-
أن قضية المهدي لم تذكر في القرآن (هنا مقال حول المهدي في القرآن) ولو كان ثابتا لذكره الله فيه. والجواب أن القرآن لم يذكر جميع أشراط الساعة فلم يذكر الدجال ولا الخسوف ولم يفصل في قضية الصلاة و الزكاة والحج وغير ذلك وإنما نجدها في السنة التي تفسر القرآن يقول تعالى{ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ *إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ } النجم 3 _4 {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} النحل/44 وقال الرسول " ألا إنني أوتيت القرآن و مثله معه" . وفي التسرع إلى القول أن القرآن لم يذكر قضية المهدي مغامرة كبيرة لأن القرآن فيه { آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ۖ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ۗ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ۗ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} 7آل عمران ويقول تعالى أيضا { مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ۚ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ} 38 الأنعام.
-
أن أحاديث المهدي ليست في الصحيحين. الجواب هو أن صحيح البخاري و صحيح مسلم لم تجمعا أحاديث الرسول كلها. والصحيح موجود في غير الصحيحين كما أن رواة السنة المحققون غيرهما كثيرون وهم أئمة في الحديث خدموا السنة والأمة . و في اعتبار الصحيحين ورد ما سواهما خطر عظيم و غلو على العلم لإن في الاختلاف الثراء. و خاصة أن الصحيحين لا يخلوان من أحاديث المهدي فحديث : ' كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وامامكم منكم" أخرجه البخاري و ذهب أكثر من عالم إلى أن إمامكم هو المهدي المنتظر .
-
لا مهدي إلا عيسى بن مريم . نفى بعض العلماء ظهور المهدي وذهبوا إلى أنه لا مهديا يأتي غير نبي الله عيسى مستدلين بالحديث : " عن محمد بن خالد الجندي عن أبان بن صالح عن الحسن عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا مهدي إلا عيسى" رواه ابن ماجه في سننه. الجواب : ضعف العلماء هذا الحديث الذي في سنده محمد بن خالد الجندي. قال أبو الحسين محمد بن الحسين الآبري في كتابه « مناقب الشافعي» :« محمد بن خالد هذا غير معروف عند أهل الصناعة من أهل العلم والنقل .وقال القرطبي في التذكرة في أحوال الآخرة :" حديث لا مهدي إلا عيسى يعارض أحاديث هذا الباب فقيل إن هذا الحديث لا يصح لأنه انفرد بروايته محمد بن خالد الجندي. وقال الحاكم ابو عبدالله الحافظ الجندي هذا مجهول"
وأنا أقول حتى و إن كان الحديث صحيحا لا يفهم منه إطلاقا أنه لا مهديا يأتي سوى عيسى عليه السلام. لأن " لا مهدي إلا عيسى" مشتق ولا يفهم إلا في سياق ما سبقه في الحديث وهذا نصه : " لا يزداد الأمر إلا شدة، ولا الدنيا إلا إدبارا، ولا الناس إلا شحا، ولا تقوم الساعة إلا على شرار الناس، ولا مهدي إلا عيسى بن مريم" ونحن نرى أن قول النبي لا يزداد الأمر إلا شدة يعني أنه ليس هناك زيارة إلا كانت هذه الزيادة مصاحبة بالشدة يعني أن الزيادة مشترطة بالشدة. و لا الدنيا إلا إدبارا يعني كلما تقدمت العصور يكون التقدم مصاحبا للإدبار والفناء لاحقا يعني أننا نفترب أكثر فأكثر لليوم الآخر وهذا معقول. ولا الناس إلا شحا كذلك ولا تقوم الساعة إلا على شرار الناس يعني أن الساعة لن تقوم إلا إذا ذهب خيار الناس و بقي شرارهم ولا مهدي إلا عيسى بن مريم أي لا مهديا يأتي أو يظهر إلا وذلك الظهور يكون مصاحبا و ملازما بظهور عيسى. و خاصة أننا نجد أحاديث توحي على صلاة عيسى خلف المهدي. يقول ابن كثير في كتابه البداية والنهاية ص 33 :" وهذا الحديث فيما يظهر ببادئ الرأي مخالف الأحاديث التي أوردناها وعند التأمل لا ينافيها بل يكون المراد من ذلك أن المهدي حق المهدي عيسى بن مريم ولا ينافي ذلك أن يكون غيره مهديا. وقال القرطبي في التذكرة في أحوال الآخرة ص 61 : " ويحتمل أن يكون قوله صلى الله عليه وسلم لا مهدي إلا عيسى بن مريم أي لا مهديا كاملا معصوما إلا عيسى. والله اعلم
القول الثاني:
الذين ذهبوا إلى أن المهدي هو الخليفة العباسي أبو عبد الله محمد بن عبدالله المنصور بن محمد بن علي المهدي بالله .هو ثالث خلفاء الدولة العباسية بالعراق. ولد بإيذج من كور الأحواز سنة 127 هـ. ولي الخلافة بعد وفاة أبيه أبي جعفر المنصور عام 158 هـ. وأمه أم موسى بنت منصور الحميرية. قالوا بأن المهدي ظهر و حكم وانتهى زمانه و هم أقلية يستدلون بحديث رواه الإمام أحمد في مسنده:" حدثنا وكيع عن شريك عن علي بن زيد عن أبي قلابة عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا رأيتم الرايات السود قد أقبلت من خراسان فاتوها ولو حبوا على الثلج فإن فيها خليفة الله المهدي" قال ابن القيم علي بن زيد قد روى له مسلم متابعة ولكن هو ضعيف وله مناكير تفرد بها فلا يحتج بما ينفرد به.
القول الثالث :
هم دعاة المهدي الذين أعلنوا أنفسهم مهديين و دعوا الناس من غير برهان أو آية ادعاءا وكذبا. و كثير من الضلال من أهل الأهواء من ادعى أنه المهدي يريد إِصلاح الأمة ولكن المصير دائما معروف و هو الهلاك لأن الله سبحانه وتعالى يتولى أمر المفتري الكاذب يقول تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ} 152 الأعراف وقال أيضا: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) فَمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ (47) وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ (48)} الحاقة
القول الرابع:
الذين قالوا أن المهدي هو محمد بن الحسن العسكري الإمام الثاني عشر الذي ولد سنة 256 ه أعني الشيعة الإمامية. اختفى محمد بن الحسن العسكري في السرداب في العراق وعمره خمس سنوات وتؤمن الإمامية أنه ما زال حيا و سيخرج في آخر الزمان فيملأ الأرض عدلا و قسطا كما ملئت جورا وظلما . و هذا ما تعتقده الشيعة صرح بذلك محمد رضا المظفر في كتابه ( عقائد الإمامية) ولا تزال الشيعة في كل عام حتى اليوم تحتفل بولادة محمد بن الحسن العسكري في النصف من شهر شعبان (15) احتفالا عظيما.
رفض علماء الإسلام أمر ابن الحسن العسكري عند الشيعة و ردوا عليهم و سجلوا ردودهم في كتبهم . منهم الحافظ ابن كثير ت 774 ه في البداية و النهاية والسفاريني ت 1188ه في الأنوار البهية و عبد القادر البغدادي ت 429 ه في الفرق بين الفرق وابن خلكان ت 681 ه في وفيات الأعيان.
القول الخامس:
هذا القول لأهل السنة والجماعة من فقهاء ومحدثين ومؤرخين ومفسرين يؤمنون بظهور المهدي المنتظر في آخر الزمان بين يدي الساعة لما يكثر الخلاف والقتال فيملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما . وذهب كثير منهم الى أن أحاديث المهدي تواترت تواترا معنويا بحيث لا مجال لردها لثبوتها و كثرة طرقها بل الإيمان بها يكون واجبا لم كما سنراه فيما بعد إن شاء الله
ذكر بعض الأحاديث الواردة في ظهور المهدي :
-
عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث رجلا من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا أخرجه أبو داود. قال حذيفة فقال عمران بن الحصين الخزاعي، فقال يا رسول الله، كيف لنا بهذا، حتى نعرفه؟ قال: " هو رجل من ولدي، كنه من رجال بني إسرائيل عليه عباءتان قطوانيتان، كأن وجهه الكوكب الدري في اللون، في خده الأيمن خال أسود، ابن أربعين سنة " .أخرجه الإمام أبو عمرو عثمان بن سعيد المقري، في سننه.
-
عن زر بن عبد الله رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تقوم الساعة حتى يلي رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي رواه أحمد في المسند (1/376) بسند صحيح
-
عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سيكون بينكم وبين الروم أربع هدن، يوم الرابعة على يد رجل من آل هرقل، يدوم سبع سنين ".فقال له رجل من عبد القيس، يقال له: المستورد بن جيلان: يا رسول الله من إمام الناس يومئذ؟.قال: "المهدي من ولدي ابن أربعين سنة، كأن وجهه كوكب دري، في خده الأيمن خال أسود، عليه عباءتان قطوانيتان، كأنه من رجال بني إسرائيل، يستخرج الكنوز، ويفتح مدائن الشرك " أخرجه الحافظ أبو نعيم، في صفة المهدي.
-
أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تقوم الساعة حتى تملأ الأرض ظلما وعدوانا قال: ثم يخرج من عترتي أو من أهل بيتي من يملؤها قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وعدوانا " . رواه أحمد في مسنده بسند صحيح .
-
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " منا الذي يصلي عيسى بن مريم خلفه رواه أبو نعيم في كتاب المهدي وذكره المناوي في فيض القدير(6/17)
-
جابر بن عبد الله قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة قال: فينزل عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم فيقول أميرهم: تعالى صل لنا فيقول: لا ، إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة الله هذه الأمة" رواه مسلم في كتاب الإيمان باب نزول عيسى ابن مريم .
-
أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كيف أنتم إذا نزل ابن مريم وإمامكم منكم رواه البخاري في باب نزول عيسى ابن مريم " .أخرجه الإمام أبو عمرو عثمان بن سعيد المقري، في سننه.
-
وعن أبي معبد عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال إني لأرجو أن لا تذهب الأيام والليالي، حتى يبعث الله منا أهل البيت غلاماً شاباً حدثاً، لم تلبسه الفتن، ولم يلبسها، يقيم أمر هذه الأمة، كما فتح الله هذا الأمر بنا فأرجو أن يختمه الله بنا.
قال أبو معبد: فقلت لابن عباس، أعجزت عنه شيوخكم حتى ترجوه شبابكم؟ قال: إن الله عز وجل يفعل ما يشاء.
أخرجه الإمام أبو عمر الداني في سننه.
أخرجه الحافظ أبو بكر البيهقي بمعناه، في البعث والنشور.
-
عن أبي جعفر محمد بن علي، عن أبيه، عن جده، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أبشروا أبشروا، إنما أمتي كالغيث، لا يدرى آخره خير أم أوله، أو كحديقة أطعم منها فوج عاماً، لعل آخرها فوجاً يكون أعرضها عرضاً، وأعمقها عمقاً، وأحسنها حُسناً، كيف تهلك أمة أنا أولها، والمهدي أوسطها، والمسيح أخرها، ولكن بين ذلك ثبج أعوج، ليس مني، ولا أنا منهم " .أخرجه الإمام أبو عبد الرحمن النسائي، في سننه.
-
عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، قال: قلت يا رسول الله أمنا المهدي، و من غيرنا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " بل منا، يختم الله به الدين، كما فتحه بنا " .
أخرجه جماعة من الحفاظ في كتبهم، منهم أبو القاسم الطبراني، وأبو نعيم الأصبهاني، وعبد الرحمن بن أبي حاتم، وأبو عبد الله نعيم بن حماد، وغيرهم.
-
عن عبد الله بن عباس، رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لن تهلك أمة أنا في أولها، وعيس ابن مريم في آخرها، والمهدي في وسطها ".أخرجه الإمام أحمد بن حنبل، في مسنده.
ورواه الحافظ أبو نعيم، في عواليه.