الخطبة الموجهة إلى المقدمين
إِنَّ نَصَّ هَذِهِ الْخُطْبَةِ فِي الْأَصْلِ لَمْ يَكُنْ مِنْ بَيْنِ الْخُطَبِ الْمَكْتُوبَةِ الْمُنْتَشِرَةِ، وَلَكِنَّ الْأُسْتَاذَ الْحَسَنْ سِلَّا هُوَ الَّذِي كَانَ قَدْ أَخْرَجَهُ بِالْفَرَنْسِيَّةِ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِــ (الْمَهْدِيُّ) وَهَا نَحْنُ نُقَدِّمُ لِلْقُرَّاءِ النُّسْخَةَ بِاللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ لِكَيْ يَعُمَّ بِهَا النَّفْعُ.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
اَلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ بُعِثَ لِإِثْبَاتِ الْحَقِّ وَإِزَالَةِ الْبَاطِلِ.
وَبَعْدُ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، يَا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، هَذِهِ وَصِيَّةٌ مِنْ عِنْدِ، إِمَامِ اللَّهِ لِلْمُقَدَّمِينَ فِي إِعْطَاءِ الْوِرْدِ.
وَاعْلَمُواْ أَنَّ لَكُمْ أَحْوَالاً وَجَبَ أَنْ تَجْتَهِدُواْ فِيهِنَّ، وَلَا تَغْفُلُواْ مِنْهُنَّ. وَأُوصِيكُمْ أَنْ تَعْفُواْ عَنِ الْإِخْوَانِ الزَّلَلَ وَأَنْ تَبْسُطُواْ رِدَاءَ عَفْوِكُمْ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ وَأَنْ تَجْتَنِبُواْ مَا يُوجِبُ فِي قُلُوبِهِمْ ضَغِينَةً أَوْ شَيْنًا وَحِقْدًا، وَأَنْ تَسْعَوْا فِي إِصْلَاحِ بَيْنِهِمْ، فِي إِزَالَةِ كُلِّ مَا يُوجِبُ بُغْضًا فِي قُلُوبِهِمْ بَعْضَهُمْ بَعْضًا.
إِنْ اِشْتَعَلَتْ نَارٌ بَيْنَهُمْ سَارِعُواْ فِي إِطْفَائِهَا، وَلْيَكُنْ سَعْيُكُمْ فِي ذَالِكَ طَلَبَ مَرْضَاةِ اللَّهِ لَا لِحَظٍ زَائِدٍ عَلَى ذَالِكَ. وَأَنْ تَنْهَوْا مَنْ تَرَوْنَهُ يَسْعَى بِالنَّمِيمَةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَأَنْ تَزْجُرُوهُ بِرِفْقٍ، وَكَلَامٍ لَيِّنٍ.
وَعَلَيْكُمْ أَنْ تَعَامَلُوهُمْ بِالرِّفْقِ وَالتَّيْسِيرِ، وَالْبُعْدِ عَنِ التَّنْفِيرِ وَالتَّعْسِيرِ فِي كُلِّ مَا تَأْمُرُونَهُمْ بِهِ وَتَنْهَوْنَهُمْ عَنْهُ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ، وَحُقُوقِ الْإِخْوَانِ، وَارْعَوْا قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " يَسِّرُواْ وَلَا تُعَسِّرُواْ، بَشِّرُواْ وَلَا تُنَفِّرُواْ"
عَلَيْكُمْ أَنْ تَتَبَاعَدُواْ عَنْ تَغْرِيمِ دُنْيَاهُمْ،
لَا تَلْتَفِتُواْ إِلَى مَا فِي أَيْدِيهِمْ، مُعْتَقِدِينَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى هُوَ الْمُعْطِي وَالْمَانِعُ وَالْخَافِضُ وَالرَّافِعُ، وَأَنْ تَجْعَلُواْ هَمَّكُمْ عَلَيْهِمْ أَنْ تَجْمَعُوهُمْ عَلَى دِينِ الْإِسْلَامِ، وَعَدَمِ التَّشْتِيتِ، وَالتَّبْذِيرِ، وَأَنْ لَا تَطْلُبُوهُمْ لِإِعْطَاءِ شَيْءٍ مِنَ الْمَالِ لَا مِنَ الْقَلِيلِ وَلَا مِنَ الْكَثِيرِ إِلَّا مَا سَمَحَتْ بِهِ نُفُوسُهُمْ مِنْ غَيْرِ طَلَبٍ.
وَعَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَتَكَبَّرُواْ عَلَى مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إِذْنُ الْمُقَدَّمِ. إِعْلَمُواْ أَنَّ كُلَّ مَا أَمَرْتُ فِي الْوَصِيَّةِ لِلْمُسْلِمِينَ أَنْتُمْ سَوَاءٌ فِيهِ، وَإِنْ وَفَّيْتُمْ مَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ، سَيَنْفَعُكُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، إِنْ تُخَالِفُواْ أَمْرِي لَا تَلُومُواْ أَحَدًا، لُومُواْ أَنْفُسَكُمْ،
وَسَيَطْلُبُونَ مِنْكُمُ الْحَقَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِأَنَّكُمْ خُلَفَائِي فِي إِعْطَاءِ الْوِرْدِ فَلْتَكُونُواْ خُلَفَائِي فِي الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ.
وَلَا تَتَّبِعُواْ هَوَاكُمْ، إِنَّ الْهَوَى وَالشَّيْطَانَ يُهْلِكَانِ مَنْ تَبِعَهُمَا. فَاجْتَهِدُواْ فِي الْعَدْلِ، وَالْإِحْسَانِ، وَالْوَرَعِ، وَالْجِهَادِ الْأَكْبَرِ، جِهَادُ النَّفْسِ.
وَفِي وَصِيَّةِ الشَّيْخِ الطَّيِّبِ ابْنِ الطَّيِّبِ الشَّيْخُ أَحْمَدَ التِّجَانِي فِي أَوَّلِ أَمْرِهِ لِمَنْ كَانَ مُقَدَّمًا فِي طَرِيقَتِهِ: إِسْتَوْفِ خَيْرًا بِإِخْوَانِكَ مَا اسْتَطَعْتَ، وَاحْرِصْ عَلَى التَّخَلُّقِ بِالْحِلْمِ جُهْدَكَ فَقَدْ كَادَ الْحَلِيمُ أَنْ يَكُونَ نَبِيًّا. وَازْهَدْ عَمَّا فِي أَيْدِي النَّاسِ، يُحِبُّكَ النَّاسُ، وَازْهَدْ فِي الدُّنْيَا يُحِبُّكَ اللَّهُ وَإِذَا هُدِيَ عَلَى يَدَيْكَ رَجُلٌ وَاحِدٌ خَيْرٌ لَكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ".
وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى، هَدَاكُمُ اللَّهُ وَنَجَّاكُمُ وَالْمُسْلِمِينَ آمِينَ بِجَاهِ سَيِّدِ الْوُجُودِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.