top of page

النهي عن حضور مجالس التعزية

سيدنا عيسى صامب

اللجنة العلمية

إن من الظواهر الاجتماعية المنتشرة في البلاد مجالسَ الاحتفال المنظّمة خلال المناسبات العائلية. ومنها مجالس التعزية التي تُعقد بمناسبة وفاة شخص. وتكون بمثابة تجمّعات بشرية في بيت المتوفّى إثر دفن جثته، أوبعد مضيّ ثلاثة أيام أو أسبوع أو أربعين ليلة أو ما شابه ذلك من وفاة الميت. وهي مجالس منتشرة في جميع أنحاء البلاد يكثر فيها التبذير والإسراف.

ولقد خصص "سيدنا إمام الله" لهذا المجلس خطبة كاملة، تمثّل الخطبة الخامسة من خطبه المجموعة. وقد بين في مستهل هذه الخطبة حُرمة هذا المجلس من الناحية الشرعية حيث قال: "واعلموا أن التعزية – على الوجه المعروف الآن – لا تجوز، وهي ممنوعة في الشرع، فاجتنبوا عن ذلك المجلس"[1].

وبما أن "سيدنا إمام الله" أراد يكون تلامذته إلهيين، وأن يكون جميعُ تصرفاتهم طبقا لمقتضى الشريعة الإسلامية، أمرهم بتجنّب الحضور  في هذا المجلس فقال: "فلا تجتمعوا في دار الميت بعد رجوع الشياع"[2]. وقال أيضا: "بعد دفن الميت، ورجوع الشياع، وتعزية العيال والإخوان، فانتشروا وافترقوا وانصرفوا إلى دياركم"[3].

وقد ذكر "سيدنا إمام الله" تفاوت الأجر والمثوبة في هذا المجلس تزهيدا في حضوره فقال: "فمن جاء وعزّى وانصرف دون أن يجلس، أكثر ثوابا ممن عزّى وجلس. ومن عزّى وجلس وشرب ثم انصرف، أكثر ثوابا ممن جلس وشرب وأكل. ومن جلس وشرب وأكل ثم انصرف، أكثر ثوابا ممن يبقى هناك يوما أو يومين أو ثلاثة أيام"[4] . كل ذلك من أجل الحيلولة بينهم وبين عقد هذا المجلس وحضوره.

وقد ذكر "سيدنا إمام الله" من بين مبررات هذا المنع، أن الطعام الذي يُقدّم فيه لجمهرة الحاضرين "قد لا يطيب، فإنه قد يختلط فيه الحلال وغير الحلال؛ لأن بعض الإخوان يطلبونه بغير استطاعتهم حياء وخوف الذم، فيطلبونه من أوجه الحرام والشبهة"[5]. ومن يعرف "سيدنا إمام الله" يدرك أنّ أكل الحرام عنده أمر لا يسامح فيه أبدا، وقد ذكر في خطبة أخرى أنّ "أول ما يُشتق من بطن ابن آدم يوم القيامة الحرام"[6].

وعلاوة على الحرام الذي قد يتسرب إلى الطعام الذي يقدّم في ذلك المجلس بسبب الظروف الصعبة التي يُهيئ فيها أحيانا، ذكر "سيدنا إمام الله" أمورا أخرى تحدث غالبا في هذا المجلس، منها "أنّ بعضهم يسبّ بعضا لعدم إتيانه بتعزيته أو لعدم حضوره في المجلس؛ فيقولون: لم يأت فلان، وما رأيت فلانا، وفلان أتى ولم يعطنا شيئا، وفلان كذا وكذا. وذلك ليس بحسن ولا من الإسلام في شيء"[7]. هكذا يتحول هذا المجلس إلى مرتع كبير للغيبة والنميمة، وهما من أفحش الفواحش الاجتماعية. ولهذا وسم "سيدنا إمام الله" هذا المجلس بأنه عديم الفائدة بالنسبة لحاضريه،  كما أنه يسبّب مضرّة كبرى لمن يعقدونه "مجلسكم الذي يضرّ صاحبكم، ولا ينفعكم شيئا"[8].

وبما أن الدعاء ينفع الموتى في القبور، يسوّغ كثير من الناس عقدهم لهذا المجلس وحضورهم فيه باسم الدعاء. ولأولئك وجّه "سيدنا إمام الله" خطابه قائلا: "ومن أراد أن يتصدق عن الميت، فليُحضر قلبه ويتضرع إلى الله سبحانه بالدعاء له في بيته بالمغفرة والرحمة"[9]. إن الله معنا حيث كنا، وهو قريب يجيب دعوة الداعي إذا دعاه وأنّى دعاه، فلماذا الاجتماع إذن في  دار الميت؟!

 

تلك هي توجيهات "سيدنا إمام الله" بخصوص هذه المناسبة المنتشرة، (والمصيبة إذا عمَّتْ هانتْ). وليس يخفى ما لهذه التوجيهات من القيم التربوية الراقية؛ لأن هذا المجلس أوّلا موضع تبذير وإسراف، وذلك مما شدّد الله تعالى في النهي عنه لكونه مماثلا لعمل الشيطان الجاحد، قال تعالى: (وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا)[10]. وهو ثانيا مضْيعة للوقت الذي هو رأسمال المسلم الحقيقي، كما أنه ثالثا تُوتّر الكثير من العلاقات الودّية والصلات الأخوية بين أفراد المجتمع.

ولهذا نجد من الآثار التربوية القيمة لتوجيهات "سيدنا إمام الله" بخصوص هذه المنا سبة ما يلي:

  1. السلامة من التبذير وإضاعة المال.

  2. استغلال وقت الناس وإعماره بما يعود بالنفع عليهم.

  3. صيانة العلاقات الطيبة بين الناس.

  4. تخفيف الثقل المادّي على العائلة المضيّفة...

سيدنا عيسى صامب

اللجنة العلمية

 

 

 إرشاد عباد الله إلى الصواب من خطب سيدنا إمام الله: محمد الصغير غاي، الخطبة الخامسة، ص: 29[1]

 المصدر نفسه، الخطبة الخامسة، ص: 30[2]

 المصدر نفسه، الخطبة الخامسة، ص: 29 [3]

 المصدر نفسه، الخطبة الخامسة، ص: 29 [4]

 المصدر نفسه، الخطبة الخامسة، ص: 30 [5]

 المصدر نفسه، الخطبة الأولـــى، ص: 7 [6]

 المصدر نفسه، الخطبة الخامسة، ص: 30 [7]

 المصدر نفسه، الخطبة الخامسة، ص: 29 [8]

 المصدر نفسه، الخطبة الخامسة، ص: 30 [9]

 سورة الإسراء، الآية: 27[10]

bottom of page