top of page

(العدل والقسط أساس الرفاهية الاقتصادية ( ولا تبسطها كل البسط

ممادو بار صامب

 اللجنة العلمية

مقدمة ˸ البحث عن طريق الخلاص

قصور الشيوعية

تدهور الرأسمالية الليبرالية

الطريق الثالث

البديل الإسلامي

عندما يكون الهدف أسمى من مجرد تحقيق الربح

الحل التوفيقي

المهدي سيدنا إمام الله يذكر العالم حلول مشاكلهم

التكافل الاجتماعي وتحقيق العدالة الاجتماعية

التشجيع على الملكية الفردية والعمل الحر و التحذير من الكسب الغير المشروع

خاتمة

 

 

 

 

 

 

 

مقدمة ˸ البحث عن طريق الخلاص

ميّز الخالق الإنسان بين مخلوقاته بملكة الاختيار، فهو ذلك المخلوق الذي جعله المولى يتمتع بنعمة التفكير الذي يستنير به للعثور على الطريق الذي يضمن له و لذويه السعادة في حياته.

و منذ نزوله على الأرض لم تتوقف حركة البحث عن طريق الخلاص ليظل الإنسان متقاذفا بين أمواج الإيديولوجيات المتضاربة التي تزعم كل منها الكمال وتدعي كونها الطريق الأمثل للوصول. فلم تكن أفكار الفلاسفة وتوجهات السياسيين إلا تيارات تجذب الإنسان أو تحاول نحو ما يمكن أن نسميه طريق الخلاص.

ولكن آلاف السنين لم تكن كافية للعثور على الطريق، بل إن الحركة ما زالت مستمرة وإن البحث لا يزال قائما لتحقيق جمهورية أفلاطون ومدينة الفارابي الفاضلة.

إن من أقوى التيارات الفكرية التي أثرت على الإنسان العصري الفكر الشيوعي وكذلك الرأسمالي بأشكالهما ودرجاتهما. فقد شهد القرن العشرون صراعا حادّا بين القطبين تجسد في الحرب الباردة أودى بإحداهما ليشهد الآخر حتفه مع بداية القرن الواحد والعشرين.

فلم تدم طويلا فرحة الانتصار الرأسمالي الذي شعر الغرب أنه نهاية المحاولات وقمة الحلول ، ليشهد العالم أحدّ أزمات تاريخ البشرية الاقتصادية. فاتجهت كل الآراء أو معظمها إلى فكرة الطريق الثالث ليكون طريق الخلاص في عصر ما بعد الرأسمالية، وعصر ما بعد الاشتراكية.

 و لكن الحل يأبي أن يتجسد لإغفال هذه التيارات بتعددها عن بعد وقف عليه البديل الإسلامي منذ 14 قرنا و الذي أتي إمام الله المهدي - عليه السلام- ليُذكّر به العالم.

 * قصور الشيوعية  ˸

 

Friedrich Engels (1820-1895)

 عندما نقرأ ( مبادئ الشيوعية )  لفريديرك انجلز                                         ، أحد مراجع و أقطاب الفكر الشيوعي، نجده يعرف الشيوعية بأنها « علم تحرير البروليتاريا » ويُعرّف هذا اللفظَ الأخير بأنه ( الطبقة الكادحة التي تعيش من بيع عملها وتتوقف معيشتها ووجودها على مدى حاجة المجتمع إلى عملها ).

 وحسب هذا النظام، الذي يهدف إلى تأسيس مجتمع ثوري اشتراكي خال من الطبقات ومبنى على الملكية المشتركة لوسائل الإنتاج، فإن النتائج المترتبة على الرأسمالية هي توسيع الهوة بين أصحاب رؤوس الأموال ( البرجوازية ) والعمال(البروليتاريا) مما يؤدي حتما إلى ثورة البروليتاريا والتي تفرض الاشتراكية ليتقاضى كل فرد في المجتمع حسب عمله، ويتم القضاء على الملكية الخاصة لتأتي الشيوعية كمرحلة حتمية نهائية.إننا نشهد براعة هذا الفكر في تشخيصه للدمار الذي خلفته الثورة الصناعية في قضاءها على الحرفين وتحول المجتمع  إلى قطبين يبيع احدهما وقته وعمله للآخر، بل وتحول العمل إلى سلعة كبقية السلع تملي ندرتها أو غزارتها القيمة السوقية لها مما أدى  إلى تدهور حالة العامل مع النمو السريع في نظام الميكنة وإحلال الجهاز مكان العامل، أضف عليه التهافت على نظم الإنتاج الكبير والمنافسة الشرسة بين الرأسماليين والتي خلفت كسادا في السوق العالمي و أزمات اقتصادية دورية، و لكن براعة هذا التشخيص لم تصاحبه أو على الأقل بنفس القوة براعة الحل حيث أن القضاء على الملكية الفردية والخاصة بصورة نهائية والتي يرى فيها الشيوعيون قضاء على المنافسة الشرسة التي خلفت الأزمات الدورية وكذلك القضاء على الطبقية الاجتماعية، كانت مخالفة للطبيعة البشرية التي جبلت على حب الامتلاك و التكاثر قال تعالى: أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ  نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا  وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا  وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ الزخرف32  أضف إلى ذلك تجاهلهم عنصر الدين ودوره المثالي في بناء الفرد الذي هو أساس المجتمع الذي يعقلون عليه كل آمالهم، فكانت الهاوية غير بعيدة، لتلقى الشيوعية حتفها مع انهيار النظام السوفيتي وانتصار الرأسمالية الليبرالية.

* تدهور الرأسمالية الليبرالية ˸

انتصار الرأسمالية الليبرالية على الشيوعية الاشتراكية خلقت شعورا بالأمان للغرب في أن طريق الخلاص في إيديولوجيتهم، وهذا الشعور وصل إلى حدّ الزعم بأنها الإيديولوجية الأخيرة تمثل أقصى ما يمكن أن يصل إليه العقل البشري في بحثه عن سبيل الخلاص فهي نهاية التاريخ صورتها فوكوياما في قوله ( ويبدو لي الجنس البشري كما لو كان قطارا طويلا من العربات الخشبية التي تجرها الجياد  متجها إلى مدينة بعينها عبر طريق طويل في قلب الصحراء.  بعض هذه العربات قد حددت وجهتها بدقة ووصلت إليها بأسرع وقت ممكن والبعض الآخر تعرض لهجوم من الاباش (الهنود الحمر) فضلّ الطريق، والبعض الثالث أنهكته الرحلة الطويلة فقرر اختيار مكان وسط الصحراء للإقامة فيه وتنازل عن فكرة الوصول إلى المدينة، بينما من ضلوا الطريق راحوا يبحثون عن طرق بديلة للوصول إلى المدينة وفي النهاية يجد الجميع أنفسهم مجبرين على استعمال نفس الطريق ولو عبر طرق فرعية مختلفة للوصول إلى غايتهم، وفعلا تصل اغلب هذه العربات إلى المدينة في النهاية وهذه العربات عندما تصل لا تختلف عن بعضها البعض إلا في شيء واحد وهو توقيت وصولها للمدينة، سرعة أو بطء، وصولها إلى الديمقراطية الليبرالية. ومن ثم نهاية رحلتها الطويلة، نهاية التاريخ ( ص 78 – 279 ) كتاب نهاية التاريخ والإنسان الأخير ( فرنسيس فوكاياما) ۱

 فعلى الرغم من أن الحداثة والعصرية التي يعيشها الإنسان اليوم والتقدم الرهيب في مجالات  العلم المختلفة ترجع إلى هذا النظام الذي اعتمد على تقديس الملكية الفردية و تشجيع المنافسة  فإن ذلك لم يكن بدون آثار جانبية حكمت على النظام ذاته بالتدهور.

 

 

 

۱- الإقتصاد الإسلامي د/رفعت السيد العوضي و د/جهاد صبحي ص109

إن ركائز الرأسمالية تتمثل في الملكية الفردية لوسائل الإنتاج وعدم التدخل من الجهاد الحاكمة في آليات السوق وكذلك تشجيع المنافسة كأساس لتحسين الإنتاج، وكون الحافز الأساسي للنشاط هو تفخيم الريح.

 فإذا كان خطأ الشيوعية هو تجاهل السنن الطبيعية للبشر وهي حب التملك و التنافس فإن الرأسمالية افترضت المثالية التي تخالف الواقع. ويكمن ضعف هذا النظام في ركائزه، فالبحث عن الربح كحافر أساسي للإنتاج يعني إمكانية استغلال الطرف الآخر خاصة عندما تقل خياراته و إمكانية الاعتداء على البيئة. ويكفي على ذلك مثالا القروض الثانوية في الولايات المتحدة في مجال العقارات و اندفاع البنوك وراء البحث عن الربح بدون قيود تذكر، والتي كانت شرارة الأزمة المصرفية التي هزت العالم و مهدت للأزمة العالمية الاقتصادية في بداية الألفية.

وتظهر مثالية الافتراض في عدم التدخل في آليات السوق ليحكم قانون العرض والطلب قيمة المنتج والكمية التي تحتاجها السوق و الشريحة المستهدفة من الإنتاج. و هذا يتحقق فقط عندما يكون السوق خاليا من الضغط والاحتكار و في حالة توفر خيارات بديلة لدى الأطراف كلها. وهذا يخالف أغلب الواقع. خذ مثالا على ذلك رضاء العامل الكادح عن ظروف إنتاجية تحت المتوسط وكارثية في بعض الأحيان لعدم وجود خيار بديل.

 

Immanuel Wallerstein

فبعد مئات من السنين سيطر فيها الرأسمالية العالم الاقتصادي فإن بوادر السقوط أصبحت تظهر وهذا ما يؤكد عليه إيمانيل وولستين                                في حواره مع صحيفة monde Le الفرنسية عندما يقول 1:

( الحالة تصبح فوضوية، خارجة عن السيطرة من القوات التي كانت تهيمن حتى الآن. نشهد صراعا ليس بين مؤيدي النظام ومعارضيه ولكن بين كل نشطاء الرأسمالية في تحديد نظام ما بعد الرأسمالية فإني أحتفظ بعبارة { أزمة } لهذا النوع من الفترات، طبعا نحن في أزمة، الرأسمالية تنتهي)

*البحث عن الطريق الثالث :

فكما أكد السيد إيمانيل وولستين، فإن نشطاء الرأسمالية – وقبلهم نشطاء الشيوعية – في بحث اليوم عن نظام عالمي يخلص الإنسان من الأزمة الحالية ويحفظه من أزمات مستقبلية و يسكن الصراعات ويخمد جذوة التصادم والاضطراب. فتردد في ألسنة السياسيين في الغرب حتى في نهاية الألفية الثانية ( عبارة الطريق الثالث ) الذي

يريدونه  نظاما توفيقيا  يجمع بين محاسن الرأسمالية والشيوعية، يحترم الملكية الفردية ويؤمن بالمسئولية الاجتماعية،

يقدس حرية السوق ويسمح للسلطات بالتدخل عندما يلزم الأمر.

 

Immanuel Wallerstein

1يعتبر السيد                                عالما اجتماعيا و باحثا أمريكيا و خبيرا في النظم الدولية.

http://www.lemonde.fr/la-crise-financiere/article/2008/10/11/le-capitalisme-touche-a-sa-fin_1105714_1101386.html

 

Georges Bernard Shaw   “The Genuine Islam”  Vol. 1, N° 8, 1936

 

 ولكن أغلب الغرب يغفلون عن شيء مهم وهو أن ضعف الأنظمة الوضعية ليست في ميكانيكية أدواتها وإنما في جوهر مبادئها وقصورها، فلا يمكن أن نحرم الإنسان حب التملك كما أرادته الشيوعية ولا يمكن أن يكون الربح الدافع الوحيد لإنتاجه كما تريد الرأسمالية، ولا الحل يكون في محاولة التوفيق ما لم يُعتبر متغير الدين والقيم في المعادلة وهذا ما فهمه البديل الإسلامي منذ أربعة عشر قرنا في شمولية و وسطية مبادئه الاقتصادية ولعل هذا ما قصده جورج برنارد شو في كتابه                                                                       عندما قال: ( ما أحوج العالم اليوم إلى رجل بعبقرية محمد. فبعد قراءة تاريخ هذا الرجل وجدت أنه موهبة خارقة و توصلت إلى خلاصة أنه ليس عدوا للنصرانية بل هو مخلص البشرية. فلوحكم العالم، حسب رأيي، لحل كل مشاكلها و ضمن السلام و السعادة التي يتمناها الجميع)

البديل الإسلامي

   * عندما يكون الهدف أسمى من مجرد تحقيق الربح :

يلفت الدكتور جهاد صبحي في كتابه الاقتصاد الإسلامي نظرنا في وجود بضع حقائق يتفرد بها البديل الإسلامي أهمها أنه إقتصاد رباني مصدرا وهدفا. فربانية مصدره تكمن في كون قواعده و أصوله لا تحيد عن مشروع الله عز وجل أما ربانية هدفه أمر أغفل عنه كل النظم الاقتصادية الوضعية في مشروعهم الاجتماعي وهي الضابط الوحيد لجموح الرغبة التي جبلت عليها النفس البشرية يقول تعالى:

 زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَٰلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ آل عمران 14 

فنعم يعتبر البديل الإسلامي ويعترف بأهمية الربح والتملك ولكن لا يجعل منهما نهاية المطاف بل تزودًا لحياة أخروية خالدة و طلبا لنيل رضا الخالق الذي استخلف الإنسان في ماله.

فعندما تهدف الشيوعية إلى محو الطبقات الاجتماعية وتحقيق العدالة والمساواة (كل حسب جهده وحسب حاجته) وتجعل من المادة المحرك الوحيد للإنسان؛ وتتجه الرأسمالية إلى تقديس الفرد وملكيته وجعل الربح والتنافس أساس المعاملات الاقتصادية؛ فإن البديل الإسلامي  لا يجعل من الكسب عملية مادية فقط وإنما يمتد المجال ليشمل الجانب الروحي والأخلاقي. فالمنتج في ظل البديل الإسلامي يتعب ويجهد من أجل تحقيق مكاسب مادية ورفع مستوى المعيشة ولكن في ظل مراعاة عدم إلحاق الضرر على المجتمع والبيئة ( لا ضرر ولا ضرار في الإسلام ) وذلك إيمانا بأن المال مال الله وأن الكسب في المقام الأول عبادة يرجو منه رضا الله سبحانه. وهذا البعد الأخلاقي الديني هو ما ينقص الاقتصاديات الوضعية وما يفسر عدم اكتمالها لانحصارها في تنظيم الجانب المادي فقط من حياة الإنسان. وتلخص هذه الآية الكريمة هذه النظرة الشمولية الوسطية:

 وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ  وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا  وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ  إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ القصص 77  ليكون ابتغاء الآخرة محور الأساس في الكسب في ظل الاعتناء والاهتمام بأمور الدنيا و رد الجميل بالإحسان إلى الغير و عدم إلحاق الضرر بالمجتمع أو البيئة.

  وفعالية هذا الضابط الديني و الأخلاقي يصل إلى حدّ يستحيل أن يصل إليه أكثر القوانين الوضعية صرامة وحذرا. وتكفي مثالا في هذا الصدد قصة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه و بائعة اللبن عندما ردت عليها بنتها وهي تأمرها أن تمذق اللبن بالماء بقولها: (قومي إلى اللبن فامذقيه بالماء فإنك في موضع لا يراك عمر ولا منادي عمر) فرد الصبية ( يا أمتاه إذا كان عمر لا يعلم فإله عمر يعلم فوالله ما كنت لأطيعه في الملأ و أعصيه في الخلاء ) أخبار عمر ص269 –تأليف علي الطنطاوي وناجي الطنطاوي.

*الحل التوفيقي الوسطي˸

الاقتصاد يعني في اللغة التوسط ( واقصد في مشيك ) وهذا ما فهمه البديل الإسلامي الذي توخي الوسطية في كل مبادئه الاقتصادية مما يضمن الاستقرار والاستمرارية للحياة.

التوفيق بين المصلحة الفردية والمصلحة الجماعية:

إذا كانت الرأسمالية تقدس المصلحة الفردية وتقدمها على مصلحة الجماعة وتؤمن بأن هذه الأخيرة تتحقق عندما يتحقق مصالح الناس فرادي مما أدى إلى توسيع الهوة بين الطبقات وتفشى البطالة وعموم الفساد، فإن الشيوعية تقدم مصلحة الجماعة إلى حدّ تلغي فيه الملكية الفردية مما يؤدي إلى ضعف الدافع والتكاسل وقلة الإنتاج. أما البديل الإسلامي فأساسه التوفيق بين المصلحتين في حدود الممكن وينعكس هذا المبدأ التوفيقي على الملكية، حيث جعل البديل الإسلامي كلاّ من الملكية الفردية والملكية الجماعية أصلا لا استثناءً، فالبديل الإسلامي يشجع على الكسب والتملك الفردي بل ويحافظ على الملكية الفردية بحدود وأحكام لمنع التعدي عليها والنيل منها، ولكن يُقيدها بمنع إلحاق الضرر على الغير، ويقدم عليها المصلحة الجماعية في حالة التعارض، ويفرض عليها بعض الواجبات مثل الزكاة والخراج والتوظيف لتحقيق العدالة الاجتماعية وتضييق الهوة بين طبقات المجتمع.

 وفيما يخص الملكية الجماعية فهي أيضا أصل في البديل الإسلامي و ذلك في صور متعددة مثل ملكية المساجد وموارد بيت المال والمعادن للدولة وغيرها.

ويجب التذكير بأن الملكيتين الفردية والجماعية منبثقتان من الملكية الإلهية وأن الأصل فيهما تحقيق المصلحة للكل ودفع الضرر يقول تعالى:

الحديد7 آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ

التوفيق بين الحرية الاقتصادية والتكافل الاجتماعي:

كما قلنا سابقا فإن البديل الإسلامي يحترم الملكية الفردية وهذا يستلزم إطلاق الحرية الاقتصادية لدى الأفراد في اختيار مجال الكسب وصرف مواردهم وهذا ما يسميه الرأسماليون آلية السوق (ماذا ينتج؟ كيف ينتج؟ لمن ينتج؟)، ولكن البديل الإسلامي ضبط هذه الحرية بمبادئ تضمن الرفاهية للجميع.

ففي مسألة الإنتاج فهناك مبادئ تقدم الضروريات من السلع على الكماليات والتحسينات مما يضمن توجه الاقتصاد إلى توفير ما يحتاج إليه المجتمع أوّلا وعدم الاهتمام الحصري بدافع المكسب وحافز الربح. وفي مسألة وسيلة الإنتاج يتمتع الأفراد بالحرية الكاملة في اختيار طريقة إنتاجهم ما لم تؤدي  إلى إلحاق الضرر أو تتعارض مع المصلحة العامة، أما ما يخص الشريحة المستهدفة من الإنتاج فضمان العدالة الاجتماعية تستلزم الاهتمام بالطبقة الكادحة التي لا تتمتع بالقوة الدفعية.

ولمنع حدوث ما تعيشه اليوم المجتمعات الغربية من الطبقية الزائدة عن اللزوم وتوسع الهوة بين العمال وأرباب الأعمال مما يؤدي إلى تفشي أمراض الحقد والحسد والغضب فإن الإسلام جعل من توفير حد الكفاية للجميع واجبا اجتماعيا، وجعل نصيب المعدمين حقّا في أموال الميسورين.

أليس هذا ما أراده مؤيدو الطريق الثالث وما تئول إليه الأمور إذا أراد العالم أن تخرج من متاهة الأزمة ويعرف من جديد الاستقرار والرفاهية. فإن محمدا (ص) منذ 14 قرنا وصف لنا هذا الطريق وقبل ظهور الرأسمالية والشيوعية وضمن لنا كفاءته عندما اعتبر جوانب الإنسان المادية منها والمعنوية.

وقد أتى المهدي المنتظر مجددا النهج المحمدي في آخر الزمان وليذكر العالم بعد قرون مضت فعالية هذه الوصفة السحرية التي يملأ بها الأرض عدلا كما ملئت جورا وظلما.

 

المهدي سيدنا إمام الله يذكر العالم حلول مشاكلهم:

شاءت المقدرة الإلهية أن يكون العام 1883 ، الذي ودع فيه العالم كارل ماركس (1818-1883) مؤسس الشيوعية والذي حاول جاهدا و بدون توفيق أن يحد من آثار الرأسمالية الفتاكة، هو نفس العام الذي رفع إليه سيدنا إمام الله المهدي اليوفي السنغالي دعوته العالمية ليقول للعالم أنه مهدي آخر الزمان الذي بتعاليمه يكون خلاص الأمة بل البشرية جمعاء.

وقد صرح عليه السلام أول دعوته أنه أتى تجديدا للنهج المحمدي لتتحقق به أمنية برناردشو وتنجو به الإنسانية.

وعندما نمعن النظر على الجانب الاقتصادي لحياته نجده، وفقا لما تقدم من مبادئ البديل الإسلامي، يقدم حلولا عملية لأهم مشاكل العصر الاقتصادية.

* التكافل الاجتماعي وتحقيق العدالة الاجتماعية:

إن من أهم المشاريع التي ركزت عليها الرسالة المهدوية تحقيقَ مجتمع متكافل مترابط. فتحقيق المساواة من حيث الفرص والمزايا يعتبر ركيزة من ركائز الدعوة الإمامية في زمن عرفت فيه المجتمعات التشتت والتمزق. ولعل المجال هنا لا يسع لبيان أبعاد هذا المبدأ المهدوي ولكن البعد الاقتصادي له يظهر جليا في شمولية تطبيقه للزكاة. وبالطبع كانت الزكاة ولا تزال من أهم الأسس التي تضمن التكافل الاجتماعي في المجتمعات الإسلامية، لكن إمام الله المهدي يتفرد أو يكاد بنظرته الشمولية للزكاة تطبيقا شموليا لقوله تعالى:

                  ، البقرة 267 يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الْأَرْضِ

فالمكسب صغيرا كان أو كبيرا يوميا كان أو شهريا يجب إخراج حق الله فيه ليذهب إلى المحتاجين و المعدمين من المجتمع. وهذا التطبيق يزيد من أهمية هذا المورد الذي من أهم موارد الملكية الجماعية في المجتمع المسلم والذي حدد المولى مصارفه سلفا ضمانا لوصوله إلى مستحقيه. يقول الإمام محمد الصغير غي في تذكرة الجماعة بعلامة الساعة ص18 : ( وأمرهم بإيتاء الزكاة من زروع و ماشية و عين، أي ذهب، و ورق و أجرات شهرية خلافا لجمهور العلماء إلا أبا حنيفة، أما هو فإنه اتفق مع الإمام في حكم الزكاة، لان أبا حنيفة أوجب الزكاة في كل ما يقصد من نبات الأرض كالفواكه و البقول و الخضروات كالبطيخ و القثاء و الخيار و نحو ذلك...و زاد الإمام عليها وجوب زكاة الأجرات الشهرية الخ)

 

*التشجيع على الملكية الفردية والعمل الحر و التحذير من الكسب الغير المشروع

التشجيع على العمل الحر:

 ركزت الرسالة المهدوية على إعطاء العمل والكسب مقامه في الدين. فكان إمام الله عليه السلام كما يقول مؤلف كتاب ( بشرى المحبين وتيقيظ الجاهلين) أنشط أترابه. إشتغل في الصيد البحري وفي التجارة والزراعة كنشاط اقتصادي حر، كأن لسان حاله يقول أن المشروع الحر والذي هو ركيزة الملكية الفردية هو الحل في زمن أدى فيه التطور التكنولوجي وإحلال الماكينة محل العامل إلى  اقتصاد يتألم من زيادة العاطلين واختفاء المشاريع الحرة الصغيرة وتكدس رؤوس الأموال عند عدد بسيط من كبار الرأسماليين، ليعيش العالم أعظم نكسة اقتصادية عاشها الإنسان العاصر.

ويمكن أن نجزم أن هدوء جذوة النكسة يتحقق في تشجيع مشروع العمل الحر الذي شجع عليه المهدي أصحابه في قوله المتواتر في ألسنة أتباعه ( احتفظوا بما تكسبونه وتعالوا نتقاسم ما أكسب). و نفهم من هذا الكلام حثه أصحابه على العمل الحر لرفع مستوى معيشتهم و ليس لتغذية السلطة و المسئولين. و يذهب سيادته إلى أبعد من التشجيع عليه السلام عندما تصدر جماعة العاملين وليكون عنصرا نشطا في منظومة المجتمع و هذا مصداق قوله : (و اعلموا أني لم أطلب رباعا و لا دكان،ا و لم أطلب بقرا و لا إبلا و لا غنما و لا خيلا و لا حميرا، و لم أطلب جماعة يزرعون لي بستانا، و لم أرسل أحدا يطلب لي هدايا أو صدقة.) كتاب إرشاد الله إلى الصواب من خطب سيدنا إمام الله، الخطبة الرابعة ص27

  تحذيره من الكسب الغير المشروع:
في ظل تشجيعه على العمل الحر حذر سيدنا إمام الله بشدة من الكسب غير المشروع ليسبق في هذا الصدد كل الجمعيات و المنظمات الرسمية التي تدعو إلى الشفافية و إلى الابتعاد عن كل صور الكسب الغير المشروع من الرشوة و الاحتكار و الثراء اللاشرعي و يقول في هذا الصدد:( و لا تأكلوا إلا طيبا، و لا تشربوا إلا طيبا و لا تفعلوا في جميع ما تنتفعون به شيئا إلا طيبا. و الطيب هو الحلال. فإن أول ما يشق من بطن ابن آدم الحرام. فإن المال يفسده الحرام، فإن كأس دم يفسده صفحة لبن و كذلك قليل من الحرام يفسد كثيرا من الحلال. و علامة القبح للإنسان أن يأكل ما يشتهيه و ﻻ يبال بحلاله و لا بحرامه و شبهاته) كتاب إرشاد الله إلى الصواب من خطب سيدنا إمام الله، الخطبة الأولى ص 7
 

التوازن بين المادة و الروح:

ظهر إمام الله المهدي في بيئة صوفية إسلامية. و من الأفكار الشائعة لدى العامة كون التصوف يدعو إلى الزهد و التقشف و البعد عن أمور الدنيا. و إن كنا نجد مقاطع من خطبه عليه السلام تدعو إلى الانقطاع عن أمور الدنيا و الاهتمام بالآخرة فإن ذلك لا يعني الكف عن الكسب و العمل و الرقي  بالفرد بل نفهم القول في سياقه حيث ظهر عليه السلام في زمن الغالب فيه الاهتمام اللاأخلاقي بأمور الدنيا و إن كان على حساب الدين و القيم و الأخلاق. يقول في هذا الصدد: (أزوركم في بساتينكم، بساتين دنياكم و بساتين آخرتكم و بساتين حياتكم و بساتين مماتكم). أليس هذا القول في مقامه في ظل كون أغلب المجتمعات المسلمة مجتمعات استهلاكية متخلفة عن الركب الدولي و بعيدة عن التطور و الرقي؟

فمع العمل الحر المشروع تقل البطالة وتضيق الهوة الفاصلة بين الأغنياء والفقراء خاصة مع استخدام الزكاة وغيرها من الوسائل الفعالة لتحقيق عدالة اجتماعية تضمن حد الكفاية للجميع.

 

خاتمة

ففي الأيام المباركة التي يحتفل فيها العالم بالذكرى الثالثة والثلاثين بعد المائة لدعوة مخلص آخر الزمان إمام الله المهدي والتي صادفت صدور أصوات من شتى النواحي تحذر بحزم من التفاوت غير العادل الذي آلت إليه الحالة الاقتصادية للأفراد ومن التزايد السريع للبطالة وتعرض حياة محدودي الدخل للخطر، ومن الغموض الذي خيم على مستقبل الأفراد والجماعات، فإن منارة المغرب الأقصى تبقى ساطعة لتجذب سفن المجتمعات الإنسانية ومراكبها إلى طريق الخلاص الذي يكمن في توخي العدل والقسط اللذين أتى إمام الله المهدي عليه السلام ليملأ بهما العالم.

 

يمبل، 30 مايو 2013

مامادو بارا صمب

اللجنة العلمية

bottom of page